صحيفة الشرق القطريه السبت 11 ذو الحجة 1430
إذ ليس جديدا ذلك التوتر الذي يشيع بين الناس بسبب مباريات كرة القدم، لكن الجديد هذه المرة أن الفضائيات دخلت على الخط فأججت الحماس واستدعت إلى ساحة "المواجهة" قطاعات عريضة من المواطنين، لم تكن مباريات كرة القدم تمثل شاغلا أساسيا لها. وأقنعت الجميع بأن الفوز بالكؤوس والبطولات بات مسألة حياة أو موت بالنسبة للشعوب، بها تدخل التاريخ وبدونها تصبح بلا قيمة أو ذكر.
وقد أشرت قبلا إلى نص نشرته جريدة الأهرام قال فيه كاتبه إن فقراء مصر -لاحظ تخصيصه للفقراء- لم يعودوا يطلبون شيئا في حياتهم سوى أن تفوز مصر على الجزائر والتأهل لكأس العالم.
حدث ذلك في مصر بوجه أخص، لأن التليفزيون بقنواته الثلاث في الجزائر مملوك للدولة. وقد التزم الصمت إزاء ما جرى طوال الاسابيع الماضية، شأنه في ذلك شأن الصحف الرسمية وتعامل هؤلاء، وهؤلاء مع الأحداث بشكل خبري عادي، بعيدا عن الاشتباك والتراشق والإثارة، لكن الصحافة الخاصة المسموح بها هناك، هي التي أثارت الضجة، حين روجت للاكاذيب وتحولت إلى منبر لاشاعة التعصب والتشهير والبغض، للدقة فإن صحيفة أو اثنتين في الجزائر قادتا تلك الحملة الخبيثة سعيا وراء الاثارة أو التحريض والوقيعة.
وقد نجحت الصحيفتان للأسف الشديد في استدراج الإعلام المصري إلى الاشتباك الذي تدنى فيه مستوى التراشق، واستخدمت فيه أوصاف هابطة، واتهامات بذيئة، وهذه كانت عنصرا مهما في تعميق الشرخ وإشعال نار الفتنة.
ولأن الهبوط اسهل كثيرا من الصعود فإن بعض مقدمي البرامج تنافسوا في الاسفاف والتجريح واستبد بهم الانفعال حتى ذهبوا بعيدا في تجاوز الحدود المهنية والأخلاقية.
كان التليفزيون هو أهم أسلحة التعبئة والتحريض، لأنه الوسيلة الأسهل والأكثر جاذبية والأخطر في التأثير، ولذلك استحق أن يوصف بأنه "الشيطان الأصغر" الذي أشاع الفتنة وسمم مشاعر المواطنين العاديين، الذين لم تكن لديهم مشكلة يوما ما مع الجزائر، بل كانوا يذكرونها بكل اعتزاز وتقدير، وإذا بهم لا يطيقون ذكرها، بعدما شحنهم البث التليفزيوني بفيروسات النفور والمرارة.
لا أبالغ إذا قلت إن الإعلاميين هزموا المثقفين ونجحوا في أن ينقلوا الوباء إلى بعضهم. صحيح أن النداء الذي وجهه المثقفون في أواخر الاسبوع الماضي أثبت أن قاعدة عريضة منهم مازالت محصنة ضد السوقية والابتذال، ومن ثم مازالت محتفظة بوعيها وسلامة إدراكها، إلا أن هناك اختراقات محزنة لذلك الموقف ظهرت بوادرها في الاسبوع الماضي.
إذ صدمت حقا واستغربت جدا أن يقدم المحامون على احراق العلم الجزائري، وهو التصرف الذي استهجناه حين صدر عن بعض الغوغاء الجزائريين الذين أحرقوا العلم المصري،
ودهشت حين قرأت أن قسم اللغة العربية بكلية آداب عين شمس قرر وقف استقبال الطلبة الجزائريين لحين صدور اعتذار رسمي من حكومة بلدهم،
وتملكتني نفس الدهشة حين علمت أن أساتذة جامعة الأزهر طلبوا من الحكومة المصرية قطع علاقاتها مع الجزائر.
واختلطت الدهشة بالحزن حين قرأت مقالة مثقف محترم هو الدكتور يوسف زيدان التي نشرتها صحيفة "المصرى اليوم" في 25 /11 حين وجدت أنه تبنى فيها خطاب النفور والتحقير الذي انطلق منه مقدمو برامج التليفزيون،
إذ قال مثلا إن مصر انفقت من أموالها لكي تجعل الجزائريين عربا (رغم انهم قاتلوا الفرنسيين بشراسة دفاعا عن عروبتهم)،
ووصف الجزائريين الذين عرفهم في مرحلة الدراسات العليا بانهم "مثال للغباء والتعصب"،
كما وصف الجزائر البلد بأنها "الوجود القاحل"،
بل دعا إلى قطع العلاقات معها، معتبرا أن ذلك لن يضر مصر في الأجلين القريب أو البعيد.
إننا لانستطيع أن ندين الإعلام ونغلق الملف، لاننا ينبغي ألا نتجاهل السؤال:
ما هي طبيعة وحدود العلاقة بين الإعلام والسياسة فيما جرى؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق