26 ديسمبر 2009

سياسة اللطف والمهادنة....مصعب خالد

يقف صانعُ القرار السياسيِّ في الدولة أمامَ مجموعة من المعطيات، التي عليه أن يتعامل معها أثناء قيامه بمهمته، منها ما يتعلَّق بالمجريات على أرض الواقع، ومنها ما يرتبط بالرؤية السياسية العامة للبلاد.

ومهما كانت المجريات، فإن للرؤية السياسية دورًا أكثرَ أهميةً في تحديد سقف القدرة على العمل لصانع القرار، فقد رأينا روسيا تشنُّ حربًا تأديبية جريئة على جورجيا، متجاهلةً قوى الغرب وتكتّلاتها، فيما تَعجِز باكستان عن الدفاع عن حدودها أمام غارات الطيران الأمريكي التي تقتل المدنيين بالعشرات.

وأحد العوامل الرئيسة لهذا الاختلاف في ردود الأفعال: هو الرؤى السياسية المختلفة؛ ففي حين تعتبر روسيا نفسها دولةً عظمى لها قدرُها، تبني باكستان سياستها تجاه الغرب على تحقيق أقصى درجات التقارب معه، وبالتالي يجد السياسي الروسي فرصةً لاتخاذ ردود أفعال جريئة، على عكس السياسي الباكستاني الذي عليه أن يبتلع العلقم.

وهنا نرى أن الرؤية السياسية كانت ذاتَ دورٍ أكبرَ في تحديد الخيارات التي من خلالها تعامل كلُّ طرف مع قضيته، ولله - تعالى - الأمرُ من قبل ومن بعد.
لن نُسهب في الحديث عن بناء الرؤى السياسية، والعوامل التي تؤثِّر عليها، ولكننا سنخوض في بحر إحداها، وهي سياسة اللُّطف والمهادنة.

ويُمكننا أن نَلمح هذه الرؤيةَ السياسية المتطورة في بداية تأسيسه - صلى الله عليه وسلم - لدولة الإسلام بالمدينة، حين هادن اليهود ودخل معهم في سِلم كامل، فلم يجنح إلى حربهم رغم أنهم لا يكادون يختلفون عن مشركي مكة، وذلك دون أن يضطر إلى التضحية بدِينه، محققًا مكاسبَ، من أهمها إرساءُ أركان الدولة، وتوجيه طاقاتها نحو الأعداء الخارجيين.

ولم يمنعْه هذا من تأديبهم والضرب على أيديهم، والتعامُل بحزم نبويٍّ رائع حين يرى منهم نكثًا للعهود، أو انقلابًا على المواثيق والاتفاقيات (وهي عادتهم لعنهم الله)، فقد قتل - صلى الله عليه وسلم - كعبَ بن الأشرف، وأجلى بني النضير وبني قينقاع، وغزا بني قريظة في دارهم، ثم تتبَّع يهود إلى خيبر ففتحها، وأجلاهم جميعًا منها إلى الشام، وطردهم من جزيرة العرب، وحطَّم كياناتهم فيها إلى الأبد - ولله الحمد والمنة.

هذه هي إيجابيات سياسة المهادنة، حين لا تكون بنفسها غاية؛ بل وسيلة لصُنع مكانةٍ مرموقة للأمة، تُنشر تحت مظلتها الدعوةُ الإسلامية، ولكن ماذا عن سلبياتها؟

في مقالها "خطاب مفتوح للسعوديين" الذي نُشِر في جريدة "عرب نيوز"، تقول تانيا سي: "إن لديكم (تعني السعوديين) أشياءَ كثيرةً تجعلكم تشعرون بالفخر، ولكن أدبكم الجم ورقَّتكم قد سمحت للغرب بأن يطأكم بقدميه، وأن يصفكم بأنكم مصدر تهديد للديمقراطية وللعالم"، في هذه الكلمات نرى سلبية سياسة المهادنة، ليس على لسان مسلمة، ولكن على لسان امرأة أمريكية كافرة، ذاقتْ جمال العيش في كنف الإسلام، لتشهد على أننا أفضل المجتمعات على الأرض، وأن لطفنا قد تجاوز الحدود، ليحملنا على الصمت عن هؤلاء الذين جعلونا علكًا يمضغونه سبًّا وشتمًا، عيانًا بيانًا في وضح النهار.
هنا علينا أن نقف مرة أخرى مع سياستنا اللطيفة، وأن نعيد توجيهها لتكون أكثر فاعلية وتأثيرًا في صُنع مستقبلٍ أجملَ، فلا شيء يمنع من الإحسان إلى الغير؛ لأن ذلك من سُبُل الدعوة، ولكن حين تُستغل هذه الطيبة واللطافة في شنِّ الهجمات، والضغط الإعلامي للتأثير على قرارات معينة بخصوص تحرُّكات داخلية أو خارجية، فهنا يجب أن يُضرب على يد الظالم؛ حتى يثوب إلى رُشده، وكما حاولتْ أمريكا مهاجمة الصين عبر تقارير حقوق الإنسان، فقد ردَّت الصين بنفس الأسلوب، كاشفةً عن تردِّي أوضاع الإنسان في أمريكا، فهكذا تسير وحوش الغاب، وهكذا يجب علينا أن نعامل هذه الوحوش.

ليست هناك تعليقات: