29 ديسمبر 2009

أشد الناس عداوة- د..مصطفى محمود

ذكرت صحيفه فريميا الروسيه ان جهاز الاستخبارات الاسرائيلي الموساد يعاون روسيا في قتالها مع ثوار الداغستان المسلمين في شمال القوقاز‏,‏ وان اسرائيل تعهدت بتقديم مساعدات لوجستيه ومعلوماتيه وعسكريه للمقاتلين الروس في حربهم للمتمردين المسلمين‏.‏
ونذكر جيدا ايام مذابح المسلمين في البوسنه ان المدد الصهيوني بالمال والخبره العسكريه والعتاد لم يتخلف عن مسانده السفاح كارادتش والجزار ملادتش في عمليات القتل والاغتصاب وحفر المقابر الجماعيه للالوف‏..‏ وفي المذابح الاخيره في كوسوفا كانت الخبره الاسرائيليه تعمل يدا بيد مع المجرمين الصرب امثال مومير تالتش في استئصال شافه الوجود الاسلامي من اخر معقل له في اوروبا‏..‏ وحيثما كانت هناك حرب مع المسلمين‏,‏ كنا نجد الصهيونيه باموالها وخيلها ورجالها في طليعه المساهمين‏..‏ وصدق الله العظيم لتجدن اشد الناس عداوه للذين امنوا اليهود والذين اشركوا‏(‏ المائده‏82).‏
ان الله المطلع علي قلوب خلقه‏..‏ وعلي السر واخفي‏..‏ اي علي اخفي ما يخفيه هولائ الناس في قلوبهم‏..‏ يقول انهم يضمرون لنا الد الخصام ويبطنون اشد العداوه‏.‏
وهذا كلام الله الذي خلقهم وليس كلامنا‏..‏
وماذا كان عقاب الله علي هذه العداوه؟‏!!‏
لقد كان العقاب من جنس العمل‏..‏ عاقبهم علي العداوه بالعداوه وعلي البغضائ بالبغضائ‏..‏ فقال عز من قائل‏:‏
والقينا بينهم العداوه والبغضائ الي يوم القيامه‏,‏ كلما اوقدوا نارا للحرب اطفاها الله ويسعون في الارض فسادا والله لايحب المفسدين‏(‏ المائده‏64).‏
فتركهم فريسه سهله للاضطهاد والتعذيب ايام النازيه‏..‏ وتخلي عنهم وتركهم لنفوسهم الاماره والي ان تقوم القيامه لايبقي لهم صديق وينقلب عليهم كل من يحالفهم فلا امان لهم ولا امان معهم‏..‏ وفي النهايه ينقلب عليهم الحليف الامريكي حينما يكتشف سوئ طويتهم‏..‏
ويتخلي عنهم الكل فينفرد بهم اعداوهم‏..‏
وهذه طبيعتهم التي يستحيل معها اي تطبيع‏..‏
واي تطبيع مع هذه الطبيعه هو تطبيع ضد نواميس الطبيعه ذاتها‏..‏ فكيف تصاحب الغدر وكيف تطمئن الي الخديعه‏..‏
والذين يسالون‏..‏ كيف ينتصر المسلمون علي اسرائيل وهم بهذه الحال من التفرق لاتجتمع لهم كلمه ولا يجتمع لهم عزم‏..‏ وما هذا الانتصار الذي يتكلم عنه القران الكريم والذي يدخل فيه المسلمون القدس كما دخلوها اول مره ويدمروا كل ما بنت اسرائيل وكل ما عمرت‏..‏ كيف يحدث هذا وهم الاضعف سلاحا والاضعف ناصرا؟‏!‏
وانا اسال‏:‏ وماذا يتبقي من اسرائيل اذا تخلت عنها امريكا؟‏!!‏ سوي الرعب والفزع وسوئ المصير‏..‏
اننا نعيش علي ارض تدور‏..‏ ولا شيئ فيها يبقي علي حاله‏..‏ ان الله يتكلم في القران بعلمه الشامل ويري بمنظور الزمن كله من مبدا الازل الي منتهي الابد‏.‏
ونحن ننظر من منظور اللحظه المحدوده التي نعيشها‏,‏ ولا نري الا برهه قصيره من بضعه ايام او شهور‏,‏ ولا نشهد الا هذا الحبل الذي يضيق شيئا فشيئا علي رقابنا‏..‏ والقلوب المومنه هي وحدها التي تدرك ان الله قادر علي كل شيئ‏,‏ وانه فعال لما يريد‏..‏
وقد غاب عنا الايمان واغفلناه من الحساب وهو قادر علي صنع المعجزات‏..‏ والله نسيناه ولم نشهد الا زنزانه الواقع والحركه المحدوده التي نتحرك فيها‏..‏ ولم نعد نذكر من الدين الا الطقوس والشعائر واللحي والمسابح ورحلات العمره‏..‏
واختلت في نظرنا الموازين واضطربت الاحكام‏..‏ والواقع امامنا يقدم لنا مشهدا بليغا يوقظ الموتي من قبورهم‏..‏
الشيشان تنتصر علي روسيا وهم الاقل عددا والاقل سلاحا‏..‏ بما لايقاس‏..‏ والتكنولوجيا المتقدمه بلا حيله امام الشجاعه والايمان والاراده الصلبه والثبات علي الحق‏..‏
وثوار الداغستان في التحام اسطوري في حرب جبال وعره مع الدبابات الروسيه‏..‏ والدبابات تتراجع ويسقط من القتلي الروس اضعاف مايسقط من قتلي الثوار‏.‏
ونري الكثره عاجزه مشلوله امام القله المومنه‏..‏
والصواريخ عاجزه امام القنابل اليدويه‏..‏
والمدافع عاجزه امام الرشاشات البدائيه‏..‏
ولو ان هولائ الثوار حاربوا بمنطق الحسابات الواقعيه لما حاربوا‏..‏ ولو انهم حسبوا كم عدد الشعب الروسي وكم عدد مقاتليهم لما اطلقوا رصاصه‏.‏ ولكن الايمان له حساب اخر في الحروب‏..‏ الله وحده هو الذي يضع مقداره وهو الناصر حينما يشائ باهون الاسباب‏..‏
وهذا الحس الغيبي امر جوهري في الدين‏..‏ بل هو جوهر الدين كله‏..‏ ولهذا جعله الله اول صفات المتقين‏..‏
الم‏,‏ ذلك الكتاب لاريب فيه هدي للمتقين‏,‏ الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاه ومما رزقناهم ينفقون‏(‏ البقره‏1‏ ـ‏2‏ ـ‏3)..‏ فجعل الايمان بالغيب مقدما علي الصلاه وعلي الانفاق‏..‏ وذلك لان الغيب هو جوهر الدين‏..‏ فالله غيب والاخره غيب والحساب غيب والجنه غيب والنار غيب والملائكه غيب والشيطان غيب والجن غيب والسموات السبع غيب والعرش غيب والكرسي غيب وما بعد الموت غيب‏,‏ وما قبل الميلاد غيب والقيامه غيب‏..‏ ومعظم مشاهد القران العظيمه غيبيات‏..‏ وهذه الغيبيات هي الطاقه التي تشحن القلب وتوقظ الوجدان وتثير العقل وتشعل الخيال وتصنع جمله المشاعر والاشواق المحفزه التي نسميها الايمان والحنين الذي يعمر القلب ويملا الوجدان‏.‏
واهل الحسابات العقليه مثل التجار ورجال الاعمال واصحاب البنوك والمرابين والصيارفه هم اهل الواقع واهل الدنيا وشواغلهم هي كل مايدور حول المنافع والمصالح والمكاسب والخسائر الماديه البحته‏.‏
ولاحظ لهم في هذا الجانب الغيبي بحكم تعلقهم بالمحسوس والملموس والواقعي‏..‏ وكلما غرقوا في هذا الملموس والمحسوس كلما ابتعدوا عن الدين وغيبياته وكلما امتلكتهم الدنيا بزخرفها واسعبدتهم بوعودها وخلبتهم ببريقها‏..‏
وللدنيا عشاق بالفطره‏..‏ وهكذا ولدوا‏..‏
وللغيب عشاق بالفطره‏..‏ وهكذا ولدوا‏..‏
وكان هذا العشق من كل منا اختيارا منذ الازل‏..‏
لم يكرهنا ربنا علي شيئ ولم يخلقنا علي فطره مضاده لمزاجنا الاصلي‏..‏ بل خلقنا علي وفق اختيارنا‏..‏ الذي احب الدنيا خلقه للدنيا واعطاه الدنيا‏..‏ والذي شغف بالاخره خلقه للاخره وهياه للاخره‏..‏ يقول الشيخ الاكبر ابن عربي في التفاته ملهمه‏..‏ ان الله يقول لاهل النار في الاخره‏..‏ ماحكمنا عليكم ولكن هكذا كنتم‏..‏ اي انكم كنتم من الازل من اهل النار بحكم اختياركم فما اكرهناكم علي شيئ بل يسرنا لكل منكم اختياره‏..‏ يسرناكم للعسري لانكم اخترتموها من البدايه‏..‏ ولو اخترتم اليسري ليسرناكم لها‏..‏ ولكن هواكم كان في هذه المشقه من اول الامر‏..‏
وهذا المشهد القديم في الازل لايصل اليه الا العارفون الاكابر من امثال ابن عربي‏.‏
وتقوم فلسفه ابن عربي كلها علي هذا الاساس‏..‏ علي اساس ان الانسان حر مختار ومسئول عن اختياره وان قضائ الله عدل كله‏..‏
وقد اختار الله لكل منا الجسم والصلاحيات الجسمانيه التي تلائم نفسه وهواياته‏..‏ وكان هذا شانه تعالي مع كل مخلوق‏,‏ فخلق ابليس من نار لان النار تلائم الكبر والعلو‏(‏ النار كلما اشتعلت تعلو وترتفع‏)‏ وفي النار الحراره والاندفاع والحده التي في الشيطان‏..‏ وخلق للمغني عاشق الغنائ الحنجره التي تطاوع مهاراته‏..‏ ولهاوي الرياضه العضلات التي تلائم رياضاته‏..‏
كان هناك دائما ذلك التطابق المذهل بين الجسم والوظائف المنتظره منه في اطار الانشطه التي سوف يختارها صاحب هذا الجسم‏..‏ ولم يكن هذا التطابق مصادفه‏,‏ بل تقديرا وتدبيرا مقصودا من الخالق جل شانه‏..‏ وهذه صوره اخري من صور العدل في التمكين والعدل في التيسير مصداقا للحديث النبوي‏:‏ اعملوا فكل ميسر لما خلق له‏..‏
هل اي واحد منا له حنجره مغني الاوبرا؟؟
استحاله‏..‏ وانما هي خلق خاص اختص الله به امثال دومنجو وبافاروتي‏..‏ لان الله قد علم ان كلا منهما قد اختار لنفسه هذا الغنائ الاوبرالي الذي سوف يحتاج الي هذه الضخامه في الصوت والرنين المدوي في الصدي‏..‏ ومثل هذا الادائ سوف يحتاج الي تجويف صدري ضخم مثل الطبله ليكون هذا الرنين المدوي‏..‏ وهذه الفحوله في الصوت‏..‏ هي الموهبه الخارقه التي سوف يصفق لها الملايين‏..‏ ان كل مرحله في الخلق تمت بتدبير وعلم وحكمه‏..‏ ومواهبنا كانت اختيارات لنا من البدايه يسرها الله بكرمه وحكمته‏..‏
لقد ابدع الله خطه خاصه لكل مخلوق خلقه تطابق الوظائف التي سوف يختارها هذا المخلوق لنفسه‏..‏ فهو خلق علي مقتضي علم سابق وعلي مقتضي عدل كامل وتدبير محكم لا مكان فيه لاي مصادفه او عشوائيه‏..‏ وهو خلق علي مقتضي الصوره الباطنيه للنفس‏..‏ تكامل مذهل لايملك الانسان الا ان يهتف مسبحا‏..‏ تعاليت ياربنا وتقدست‏..‏
هذا الحوت الذي يتهادي سابحا في الاعماق‏..‏ وقد خلقه الله في هيئه اشبه بالغواصه وصوره في صوره انسيابيه مذهله ليطابق مقتضيات وظيفته‏!!‏
وهذا النسر وهذا الصقر‏..‏ وهذا النمر‏..‏ وهذا الاسد‏..‏ وهذا الفيل‏..‏ وهذا الديناصور‏..‏
وهذا المتحف الطبيعي البديع المذهل الذي لاتتكرر فيه الصوره الواحده مرتين‏..‏ وانما انت حيثما وجهت نظرك رايت ابداعا متصلا يفوق الخيال‏..‏
كيف تتصور بعد كل هذا ان الله سوف يضيعك وانت ارفع مخلوقاته واعظم مصنوعاته شانا‏..‏ وانت المستخلف منه علي رعايه كل هذا؟‏!‏
كيف تتصور ان يفلت ظالم بجريمته؟
كيف تتصور ان يفلت مذنب دون عقاب؟
وكيف تتصور ان يتساوي عند الله محسن ومسيئ؟
وكيف يمكن ان يذهب كل هذا الخلق والابداع هبائ؟
بل اكاد اري في هذا الخلق قرانا اخر‏..‏
واكاد اطالع كلما وجهت بصري ايات وسورا كامله ونماذج من الاعجاز والاتقان‏..‏ واعلم الان علم اليقين ان الله لن يضيعنا‏..‏
واننا سوف ندخل القدس كما دخلناها اول مره كما قال ربنا‏..‏
لاتسالوني كيف؟‏..‏
انظروا حولكم وانظروا داخل نفوسكم‏..‏ وانظروا في هذا المتحف المذهل‏..‏ تاملوا هذا الاعجاز وستعلمون كيف‏..‏
انظروا في السموات السبع فوقكم وفي النجوم بلا عدد وبعضها اكبر من شمسنا بملايين المرات‏..‏ وفي المجرات المعلقه في الفضائ تسبح في مداراتها منذ اباد من الزمن قبل ادم‏..‏
هذا الملك الممتد في الزمان والمكان بلا حدود‏..‏ فماذا يكون شان المالك الذي يدبر كل هذ

ليست هناك تعليقات: