إذا كان لي أن اختار لنفسي شعاراً هذا الأسبوع لقلت انني لو لم اكن مصريا لوددت أن اكون تايلانديا، وهو آخر ما كنت اتوقعه على صعيد شخصي، لان خبرتي بتايلاند كانت سلبية إلى حد ما. ذلك ان انطباعاتي عنها ظلت متأثرة بما رأيته فيها خلال السبعينيات، حين كانت ماخوراً كبيراً دأب الجنود الأميركيون الذين كانوا يحاربون في فيتنام على قضاء عطلاتهم فيها، فعاثوا فيها فساداً، حتى حولوا الأرض المحررة - الترجمة العربية لكلمتي تاي لاند - إلى بلد للمتعة واشباع الشهوات بكل أشكالها. وهي السمعة التي مازالت تلاحق عاصمتها بانكوك حتى هذه اللحظة.
لكن التطورات الأخيرة هناك سلطت الضوء على وجه آخر للبلد، كشف عن حيوية سياسية مدهشة كانت مفاجأة بالنسبة لي. ذلك ان احزاب المعارضة هناك احتشدت في تجمع اطلقوا عليه «تحالف الشعب من أجل الديموقراطية» وقرروا تحدي الحكومة الفاسدة التي جاءت بالتزوير، واصروا على اجبارها على الاستقالة، ومن ثم فإنهم نظموا خلال الأشهر الستة الأخيرة سلسلة من الاضرابات والحملات الاحتجاجية التي لم تحدث صداها المطلوب في فضح الحكومة واسقاطها. فلجأوا إلى خطوة أخرى احرجتها وفضحتها أمام الرأي العام العالمي. اذ قرروا احتلال المطارين الاساسيين في العاصمة ـ مطار سونارنا هومي الدولي ومطار دون موانج الذي يستخدم للطيران الداخلي ـ وحشدوا انصارهم على الطريق المؤدي إلى المطارين للحيولة دون وصول الشرطة اليهما.
في الوقت ذاته فإن قادة المعارضة دعوا مجموعات اخرى من انصارهم للتجمع امام مقر الحكومة تحسبا لاحتمال اقتحام الشرطة للمطارين، ولكي تقوم تلك المجموعات بمواصلة رسالة الاحتجاج، اذا تم الاقتحام وعادت حركة الطيران فيهما الى حالتها الطبيعية. بينما تصعيد حملة الاحتجاج مستمر الى الدرجة التي أدت الى إحداث شلل اقتصادي في البلاد الى جانب الشلل السياسي، كانت المحكمة الدستورية تنظر قضية رفعها التحالف ضد الحكومة، اتهمها فيها بتزوير الانتخابات التي تمت في العام الماضي.
وكانت المفاجأة ان المحكمة اصدرت حكمها يوم الثلاثاء 2 – 12 بحل الائتلاف الحزبي الحاكم واقالة رئيس الوزراء «سوشاي وونجساوات» من منصبه ومنعه مع 59 مسؤولا تنفيذيا آخرين ـ منهم 24 نائباً في البرلمان ـ من ممارسة العمل السياسي. واستندت المحكمة في قرارها الى نص في الدستور يقضي بحل أي حزب في حال إدانة أحد مسؤوليه بتزوير الانتخابات. وقال القاضي شات تشونلاورن رئيس المحكمة الدستورية، المكونة من تسعة قضاة، ان قرار المحكمة صدر بالاجماع، بعدما ثبت لديها ان احزاب الائتلاف الحاكم قامت بتزوير الانتخابات، وان المحكمة بالحكم الذي اصدرته تضع نموذجا ومعيارا سياسيا يقوم على ان الاحزاب غير النزيهة تدمر النظام الديموقراطي وتعطل مسيرة العمل الوطني.
طوال الأشهر الثلاثة الماضية ظللت أتتبع المظاهرات والاحتجاجات في بانكوك، معجبا بقوة المجتمع المدني هناك، ونضج قواه السياسية المعارضة التي استطاعت ان تتفق على هدف مشترك، وان تظل متماسكة طوال الوقت، ومصرة على اسقاط الحكومة التي جاءت بالتزوير من خلال الاحتجاج السلمي في الشارع، والنضال في ساحة القضاء، الامر الذي حقق لهم في النهاية ما يريدون.
وهذا الاعجاب، الذي اقترن بالغيرة والحسد، هو الذي دفعني الى تغيير رأيي السابق إلى الحد الذي تمنيت فيه أن أكون تايلانديا هذا الاسبوع. وهو الشعور ذاته الذي انتابني ذات يوم حين جرت انتخابات ديموقراطية نزيهة في موريتانيا، فتمنيت ان اكون موريتانياً، وحين حقق حزب الله نصره على الاسرائيليين فتمنيت أن أكون لبنانيا، ولا أعرف إلى متى سيطول انتظارنا حتى يبزغ فجر الديموقراطية عندنا، بما يمكن الواحد منا من أن يستعيد شعوره بالعزة، بحيث يردد مقولة الزعيم مصطفى كامل: لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق