26 ديسمبر 2009

التجديد الانقلابي د. محمد عمارة

كان الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت (1310-1383هـ/ 1893-1963م) داعية للتجديد . بل وللتجديد الانقلابي كما سماه وكان من رأيه أن هذا التجديد الانقلابي هو الذي يملأ الفضاء الإسلامي فيحمي العقل المسلم من الغزو الفكري الذي يهدد هوية الأمة ووجودها.
لقد أراد للأزهر تجديدا انقلابيا (لكنه انقلاب للنفوس الغيورة على ماضيها، المتطلعة إلى مستقبلها.
انقلاب يصل بالعقلية الأزهرية إلى الفكر الأصيل يوم كان خالصا في موقفه من القرآن،وفي تعبيره عن تعاليم القرآن وهو في الوقت نفسه يربط العقلية الأزهرية أو الفكرة الإسلامية السليمة بالحياة الواقعية التي يعيش فيها العالم اليوم، والتي تتجاذبها تيارات فكرية متعارضة يجب أن يقف العقل الأزهري أمامها ليقي الجماعة الإسلامية غزوها وليحفظها من الانحلال والذوبان في غيرها)
فالتجديد الانقلابي برأي الشيخ شلتوت هو الذي يعود بالعقل المسلم إلى الأصول والمنابع الجوهرية والنقية وذلك حتى يفقه هذا العقل الواقع المعيشي في ضوء مناهج وضوابط وقواعد هذه الأصول ليملأ بهذه الأصولية المتجددة فضاءنا الفكري بدلا من تركه فراغا يتمدد فيه الغزو الفكري الآتي لنا من حضارة مادية لا دينية.
بل لقد رأى الشيخ شلتوت في هذا التجديد الذي يحمي عقلنا المسلم من الغزو الفكري الشرط والسبيل إلى زعامة الأمة الإسلامية وقال: إن سبل أمتنا إلى الزعامة هو مقاومة الغزو الفكري الوافد إلينا عن طريق الاستشراق والإلحاد، هذا الفكر الذي من شأنه أن يزعزع القيم الإسلامية في النفوس وأن يمزق وحدة المسلمين والعرب عن طريق الغزو العقلي والاستعمار القبلي.
وإن من يتتبع تاريخ الغزو الاقتصادي والسياسي لا يكاد يجده إلا نتيجة وأثرا لهذا الغزو العقلي الذي يملك على الناس قلوبهم ويصرفهم عن أنفسهم إلى ما يريد ولا يظن ظان أننا بهذا نسد على أنفسنا مجال الانتفاع لما قد يكون من نتائج البحث الأجنبي الدقيق في مظاهر الحياة العامة ووسائلها فنحن نفسح أمام أنفسنا مجال ذلك والإسلام يدفعنا إليه.
إن محمد بن عبد الله عليه صلوات الله لم يتجه إلى مكافحة الغزو السياسي والاقتصادي في بيئته إلا بعد أن تمت مكافحة الغزو العقلي والقبلي فيها عن طريق محو الشرك والوثنية وعن طريق الإيمان بالله وحده.
وحينما تمت له مكافحة هذا الغزو القبلي، اتجه بالإيمان نفسه إلى مكافحة الغزو السياسي، حفظا لشخصية الجماعة وحفظا لمبادئها في النفوس واتجه بعد ذلك إلى مكافحة الغزوة الاقتصادي عن طريق منع الاستغلال والاحتكار والطغيان المالي وبذلك كملت لشخصيته عناصر الاستقلال المطلق والكامل، استقلال العقل، واستقلال السياسة، واستقلال الاقتصاد.
وما كان ذلك كله إلا بفهم القرآن والاتصال بالحياة الواقعية وهذه قمة المجد وطريق السؤدد.
هكذا تحدث الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت عن ضرورة التجديد الفكري الذي يعود بالعقل المسلم إلى المنابع الجوهرية والنقية إلى الأصول والذي يفقه الواقع المعيشي في ضوء هذه الأصول والقواعد والثوابت والمناهج الإسلامية والذي يملأ العقل المسلم والمعاصر بهذا الفكر المتجدد فيسد الطريق على الغزو الفكري الغربي الذي يهدد الشخصية الحضارية الإسلامية بالنسخ وبالمسخ والتشويه.
فالتجديد لا الجمود والتقليد هو السبيل للحفاظ على الذات الحضارية الإسلامية من الذوبان والاقتلاع.

ليست هناك تعليقات: