قبل مدة أصدرت مجموعة ممن احتكروا تسمية أنفسهم بالمثقفين العرب بياناً وقعوا عليه بمناسبة مرور ستين عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .. كما وقع على البيان ثلاث وثلاثون منظمة عربية وحقوقية ، في ورشة عمل باسم : الدين وحرية التعبير في العالم العربي ، انعقدت بالعاصمة الفرنسية باريس أوائل ديسمبر 2008م.
انتقد البيان تفشى حالات القمع لحرية التعبير في البلاد العربية ، بسبب ما أسماه المحاكمة الدينية للرأي والتعبير والإبداع ، لدرجة وصفها البيان بـ ” غير المسبوقة ” في الفترات الأخيرة ، مشيراً إلى أنها طالت أسماء من كل المجالات في أغلب البلدان العربية .
وذكرت جريدة ” المصري اليوم : 5/12/2008م ” ، أن الموقعين على البيان ، طالبوا المؤسسات والتيارات الدينية والرسمية وغير الرسمية في البلاد العربية ، بتنحية المنظور الديني في النظر إلى التعبير الفكري والأكاديمي والأدبي والفني ، لأن الوصاية باسم الدين على حرية الفكر والأدب تسيء إلى الحرية والدين معاً ، وتقمع اجتهاد المفكرين وتكبح خيال المبدعين ، وتعطل طاقات الأمة الساعية إلى التقدم .
أبرز الذين وقعوا على البيان من الأدباء الطائفيين الشعوبيين ، أو الشيوعيين المرتزقة ، أو الماسون المتصهينين . أما المنظمات الحقوقية فهي مدعومة من الغرب الاستعماري ماليا ومعنويا كما هو معلوم بالضرورة ، ويلاحظ أن مكان ” الورشة ” هو باريس عاصمة فرنسا الاستعمارية منطلق الحروب الصليبية ضد الإسلام قديماً وحديثاً .
يتحدث البيان عن المحاكمة الدينية للرأي والتعبير والإبداع ، والمؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية ، والمنظور الديني في الفكر والعلم والأدب والفن . بالطبع فإن البيان لا يقصد ديناً آخر غير الإسلام ، لسبب بسيط وهو أنه لا يستطيع الإشارة من قريب أو بعيد إلى أديان أخرى سماوية أو وضعية ، لأنه لو فعل فلن يكون للموقعين على البيان وجود أدبي أو معنوي ، فضلاً عن العقاب الذي يوقعه أصحاب هذه الديانات بمن يقترب من عقائدهم وتشريعاتهم ! وعلى سبيل المثال ، اسألوا عمن يشير إلى المحرقة اليهودية مجرد إشارة بالتساؤل ماذا يفعلون له ، وماذا يكون مصيره ؟
ثم إن البيان يتحدث عما يسميه المحاكمات الدينية ، وكان المتوقع أن يتناول المحاكمات البوليسية أو العسكرية التي لا تقبل نقضاً ولا إبراماً ، وهى محاكمات شائعة في العالم العربي وملموسة ، ويستشعرها الناس في كل مكان ، ويتضرر بسببها عشرات الأسر نتيجة غياب عائليهم أو ذويهم وراء القضبان ، ويفترض أن يهتز بسببها المثقفون ، وينتفضون ويغضبون ويثورون ، ويدعون الناس إلى الغضب والثورة ورفض هذه المحاكمات البوليسية أو العسكرية بكل السبل والوسائل . ولكن الإصرار على إدانة ما يُسمى ” المحاكمات الدينية ” التي لا وجود لها في حقيقة الأمر إلا في خيال الموقعين على بيان باريس يجعل من الأمر لغزاً يحتاج إلى حلّ ، وإن كان هناك من لا يعده كذلك ، ويراه عدواناً رخيصاً على الحرية والإسلام جميعاً ! لأن القرآن الكريم أورد مقولات إبليس وفرعون وآخرين ضد الذات الإلهية والأنبياء والتوحيد والبعث في آيات يتعبّد بها المسلمون ، دون أن تحذف أو تخبأ ، أو يفرض عليها حظر ، ولكن هناك ردّ عليها وتفنيد لها ، ونسف لمنطقها المتهافت فأي ادعاء أثيم يدعيه أهل البيان العلمانيون الكارهون للإسلام ؟
إن القضايا التي حوكم بسببها بعض المنتسبين إلى عالم الكتابة ، لم تكن في المحاكم الدينية التي يخلو منها العالم العربي والإسلامي ولكنها كانت في محاكم عادية تحكم في الجنح والجنايات ، وأحكامها تجرى وفقاً لقانون وضعي ليس إسلامياً .. فالحديث عن المحاكم الدينية نوع من الادعاء والكذب والتحامل على الدين الإسلامي وحده ، لأن موقعي البيان – أكرر – لا يستطيعون الاقتراب من دين آخر ، وإلا كان عقابهم مثلاً يجوب البلدان !
إن الإسلام لا يعرف المؤسسات الدينية ولا التيارات الدينية . إنه يعرف المؤسسات أو التيارات الإسلامية العلمية والثقافية ، لا حصانة لها ، ولا كهنوت بها ، ولا عصمة لأحد فيها .هم علماء أو طلاب يبحثون عن الحقيقة ، ويخضعون لمنهج العلم الذي توارثوه وعرفوه ، وعملوا على الاجتهاد فيه وفق أسس منهجية وشروط توثيقية ، فلا صكوك حرمان ولا صكوك غفران في الإسلام .
واضح أن البيان يسعى لترهيب الرأي العام الإسلامي حتى لا يتصدى للمحاولات التي يمارسها العلمانيون من طائفيين وشيوعيين وماسون وأشباههم ، لتحويل بلادنا إلى ذيل تابع للغرب في صورته الرديئة المتخلفة ، وليس في صورته القوية الجسور .
إنهم يعملون على تجريد الإسلام من قيمه العليا ، ومثله الرفيعة ، وإحلال القيم الوثنية والمثل المتدنية ، وإقناع المسلمين بعدم صلاحية الإسلام للحياة ويروجون لما يسمونه التنوير بمفهومه الغربي الاستعماري المعادى للتوحيد والوحي في مقابل المفهوم الإسلامي الذي يسمونه بالظلام أو الظلامية ، ويجاهرون بأنهم في معركة يخوضونها ، ويجب أن ينتصروا فيها ، وينتصر التنوير ضد الظلام .
إنهم يعتدون على ثوابت الإسلام ومقدساته ، ويزعمون أن ذلك حرية فكر وحق تعبير ويرون أن من يناقشهم متخلف ورجعى وجامد وظلامي ، وأن من يحتكم إلى القضاء متأسلم عميل ومأجور لحساب الوهابيين والسلفيين والإرهابيين ، ولا يكتفون بهذا بل يستنكرون منهج الحسبة الإسلامية ، التي تترجم عمليا الدعوة إلى المعروف والنهى عن المنكر ، امتثالاً لقوله تعالى ” وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” ( آل عمران : 104 ) .
إن الحملة الشيطانية ضد الحسبة تنّكر للدين الحنيف ومنهجه في تطهير المجتمع من التلوث الفكري والسلوكي والعقدي والخلقي والسياسي والاقتصادي . لقد نجح هؤلاء العلمانيون من خلال خدمتهم للسلطات البوليسية والعسكرية الفاشية في إهانة الإسلام وتحقيره باسم حرية التعبير ، ونجحوا في بعض البلاد العربية في إلغاء مبدأ الحسبة وقصره على النيابة العامة ، وشككوا في قيم الإسلام وحسبوها عاجزة عن تحقيق الحرية والشورى والعدل والمواطنة والمساواة ، فأشاعوا أن تعاليم الإسلام طائفية ، وتكره الآخر ، وتقوم على التمييز ، وضد الإبداع ، والتفكير ، والتقدم !
إن بيان السادة المثقفين العلمانيين هو ” إهانة ” للإسلام بكل المقاييس ، ودعوة للاجتراء على عقائده وقيمه دون مسوغ من العقل والنقل ، بل دعوة إلى خلع الإسلام من الدساتير والقوانين العربية حيث يطالب البيان بصراحة فاقعة بتنقية الدساتير والتشريعات والقوانين في العالم العربي من كل ما يكبح حرية الرأي والاعتقاد والإبداع ، والمقصود بذلك دون مواربة هو إسلامية الدولة ومصدر التشريع الإسلامي ، وهو أمر لا يحدث أبداً لا في الدول الغربية الاستعمارية الصليبية ، ولا الإمارة النازية اليهودية الغاصبة في فلسطين .. لا أحد هناك من مثقفين وغيرهم يدعو إلى التنصل من دين الدولة أو مذهبها الديني بحجة تنقية الدساتير والقوانين من كوابح الرأي والفكر .
بيان المثقفين العلمانيين وصمة عار في تاريخهم الموالى للاستبداد والحكومات البوليسية والعسكرية ، فضلاً عن كونه إهانة للإسلام .
هامش :
يوسف سيدهم يقود التمرد الطائفي في جريدة وطني الطائفية ، وقد فضحه مجلس حقوق الإنسان الذي يرأسه بطرس الحفيد ، وذلك حين أعاد نشر خبر قديم حول تمرد طائفي في قرية بمها ، ليشعل نار المتمردين في الخارج . سيدهم مشغول ببناء الكنائس مع إصراره على بناء كنيسة أمام كل مسجد حتى تتحقق المواطنة ! ألا أحد هناك يقول ليوسف : أعرض عن هذا ، وكن مصريا يعيش هموم مصر ؟a
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق