منذ ألف سنة كان السفر إلى اليمن على الأقدام يحتاج إلى أعوام. يحمل المسافر خيمته و زاده و زواده و زكائب التمر و البلح و الخبز المكسر و يتوكل على الله.
و بين الفيافي و الجبال و الوهاد و الأحراش يطل عليه الموت من أنياب ذئب جوعان، أو قاطع طريق متربص، أو حر لافح يقصم الظهر، أو برد قارص يثلج العظام.. فإذا وصل سالما فهو قد ولد من جديد، و هي الفرحة التي لا تدانيها فرحة.
و المليونير على أيامها لم يكن يمتاز على الصعلوك إلا في الخيول المطهمة.
كان الفرس هو السيارة التي تختصر الأعوام في شهور، و كانت هذه هي سرعة البرق زمان.
و عرفنا السفن الشراعية لننتقل من أهوال البر إلى أهوال البحر.
يقلع المسافر فيمسك بأنفاسه و قد أدرك أنه أسلم نفسه إلى غول لا يعرف الرحمة. فإذا وصل إلى بر الأمان دقت له الطبول و المزامير، و استقبلته الأحضان، و سجد لله شكرا من فرحة الوصول.
أما اليوم فنحن نقطع المسافة بين القاهرة و أسوان في ساعات بالقطار، و نشعر طول الوقت بالملل و الضجر و البطء، و ننظر إلى ساعاتنا، حتى إذا وصلنا سالمين بدأنا نسب و نلعن لأننا تأخرنا نصف ساعة.
و نركب الطائرة النفاثة لنصل إلى بيروت في دقائق، و نشكو مر الشكوى لأن الضباب و العواصف أخرت وصولنا عشر دقائق.
و حينما نسافر غدا بالصواريخ إلى المريخ سوف نكون أكثر مللا و تعجلا و سنقول: ما هذه الصواريخ اللكع؟ ألا يعرفون في مصلحة الصواريخ قيمة الوقت؟
و سوف تتضاعف قيمة الوقت بالفعل.
ستكون الساعة كافية للدوران حول العالم، و سيكون الشهر مهلة عظيمة لجولة في المجموعة الشمسية.
و سوف تزداد الإمكانيات، و لكن سوف تتضاءل السعادة.
و كلما ازدادت الإمكانيات ازداد الطمع.
و كلما ازدادت السرعة ازدادت العجلة.
و كلما ازداد الترف ازدادت الشكوى.
تماما مثل حكاية الغني الذي يزداد طمعا كلما ازداد ثراء.
و هذا شأن المكاسب المادية، كلما ازدادت ازداد الافتقار إليها و إلى المزيد منها، و بالتالي ازدادت التعاسة.
لأن السعادة موطنها القلب و ليس الجيب، و لا عبرة فيها بازدياد الإمكانيات المادية.
السعادة تنبع من الضمير. و من علاقة الإنسان بنفسه و علاقته بالله و هي في أصلها شعور ديني و ليست شعورا ماديا.
و هي تنبع من إحساس الإنسان بأنه ليس وحده و أن الله معه، و أن العناية تحوطه و الإلهام الخير يسعفه، و أنه يقوم بكل واجباته.
و لهذا يمكن أن ينتحر مليونير يملك باخرة و طائرة و عدة ملايين من الدولارات في حين تجد الراهب الذي يعيش على الكفاف يضيء وجهه بسكينة داخلية لا حد لها، و يسارع إلى نجدة الآخرين في محبة و سعادة، لأنه يؤمن بأن للحياة معنى و حكمة، و أنها لم تخلق عبثا، و إنما خلقها العادل الرحيم
و بين الفيافي و الجبال و الوهاد و الأحراش يطل عليه الموت من أنياب ذئب جوعان، أو قاطع طريق متربص، أو حر لافح يقصم الظهر، أو برد قارص يثلج العظام.. فإذا وصل سالما فهو قد ولد من جديد، و هي الفرحة التي لا تدانيها فرحة.
و المليونير على أيامها لم يكن يمتاز على الصعلوك إلا في الخيول المطهمة.
كان الفرس هو السيارة التي تختصر الأعوام في شهور، و كانت هذه هي سرعة البرق زمان.
و عرفنا السفن الشراعية لننتقل من أهوال البر إلى أهوال البحر.
يقلع المسافر فيمسك بأنفاسه و قد أدرك أنه أسلم نفسه إلى غول لا يعرف الرحمة. فإذا وصل إلى بر الأمان دقت له الطبول و المزامير، و استقبلته الأحضان، و سجد لله شكرا من فرحة الوصول.
أما اليوم فنحن نقطع المسافة بين القاهرة و أسوان في ساعات بالقطار، و نشعر طول الوقت بالملل و الضجر و البطء، و ننظر إلى ساعاتنا، حتى إذا وصلنا سالمين بدأنا نسب و نلعن لأننا تأخرنا نصف ساعة.
و نركب الطائرة النفاثة لنصل إلى بيروت في دقائق، و نشكو مر الشكوى لأن الضباب و العواصف أخرت وصولنا عشر دقائق.
و حينما نسافر غدا بالصواريخ إلى المريخ سوف نكون أكثر مللا و تعجلا و سنقول: ما هذه الصواريخ اللكع؟ ألا يعرفون في مصلحة الصواريخ قيمة الوقت؟
و سوف تتضاعف قيمة الوقت بالفعل.
ستكون الساعة كافية للدوران حول العالم، و سيكون الشهر مهلة عظيمة لجولة في المجموعة الشمسية.
و سوف تزداد الإمكانيات، و لكن سوف تتضاءل السعادة.
و كلما ازدادت الإمكانيات ازداد الطمع.
و كلما ازدادت السرعة ازدادت العجلة.
و كلما ازداد الترف ازدادت الشكوى.
تماما مثل حكاية الغني الذي يزداد طمعا كلما ازداد ثراء.
و هذا شأن المكاسب المادية، كلما ازدادت ازداد الافتقار إليها و إلى المزيد منها، و بالتالي ازدادت التعاسة.
لأن السعادة موطنها القلب و ليس الجيب، و لا عبرة فيها بازدياد الإمكانيات المادية.
السعادة تنبع من الضمير. و من علاقة الإنسان بنفسه و علاقته بالله و هي في أصلها شعور ديني و ليست شعورا ماديا.
و هي تنبع من إحساس الإنسان بأنه ليس وحده و أن الله معه، و أن العناية تحوطه و الإلهام الخير يسعفه، و أنه يقوم بكل واجباته.
و لهذا يمكن أن ينتحر مليونير يملك باخرة و طائرة و عدة ملايين من الدولارات في حين تجد الراهب الذي يعيش على الكفاف يضيء وجهه بسكينة داخلية لا حد لها، و يسارع إلى نجدة الآخرين في محبة و سعادة، لأنه يؤمن بأن للحياة معنى و حكمة، و أنها لم تخلق عبثا، و إنما خلقها العادل الرحيم
المصدر : كتاب (( الشيطان يحكم ))
للدكتور مصطفى محمود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق