26 ديسمبر 2009

متميزون معهم ... إيناس حسين مليباري

أمورٌ كثيرة إذا تمكَّن منها الإنسانُ، تجعل من شخصه مميزًا في مجالٍ ما، وبما أن طابع التميُّز مجبولةٌ عليه النفسُ؛ فحديثُنا هنا عن العامل الأساسي للتميز برفقة "طفل".

حسنًا، كيف يكون الإنسان متميزًا مع طفلٍ ما؟

بالطبع هناك سُبلٌ عديدة من شأنها أن تسموَ بالإنسان وترفع قدْرَه، ولكني سأتحدث عن عاملٍ أجده وأرجِّح بأنه الأساس المتين لنكون متميزين معهم؛ الأطفال.

إنه فن الحوار مع الطفل، سأستعرض أولاً بشكلٍ سريع سببَ ترجيحي للحوار، ومن ثم نتأهب للغوص في أعماق هذا الفن.

أعطى الإسلامُ الحوارَ مكانةً كبيرة؛ فقد اهتمَّ القرآنُ بذِكر الحوار كاملاً بين موسى - عليه السلام - وفرعون، ولم يقتصر على ذلك؛ بل كرَّره في عدة مواطنَ، هذا إلى كون الإنسان مدنيًّا بطبعه، فمن المستحيل أن ينصرم يومٌ ما بلا حوارٍ؛ فكان الأجدر به أن يجيد هذا الفنَّ مع كافة الشرائح البشرية.

يظنُّ البعض أن فارق السن مؤشرٌ لاستحالة التواصل، والتعامل بالإشارة وفقط، بينما يعتقد آخرون بأن الحوار ما زال "كبيرًا" على استيعاب الطفل له، وبناءً على اعتقادهم هذا؛ فإنهم آثروا إلقاء "أطنان" من الأوامر والنواهي، ويكون مبرر فعلِهم - إلقاء الأوامر - بأن الطفل "طفيلي"، فلديه فمٌ؛ ليجيد فنون الإزعاج، وليهلك البيت والأهل!

هل بحثْنا يومًا في الحبل الموصل بنا وبالطفل عن مكان تفكك نسيجه؟

دومًا ما نُلقي بأخطائنا على مَن جاورنا، ونحرص على ألا يشوب شخصَنا وشخصيتنا أدنى شائبة!

فأول ما نتفوَّه به: أن الطفل لا يسمع كلامنا، أو مدلَّل وكثير الإلحاح في طلبه، جاهلين أو متجاهلين بذلك خصائصَ الطفل واحتياجاته، والتي ما أن يجدها فيمن يحاوره، فحتمًا سيتحول ذلك الصغيرُ لشخص كبير.

ذكرَتِ المؤلفتانِ Elaine Mazlish وAdele Faner  في كتابهما: "كيف تتحدث فيصغي الصغار إليك، وتصغي إليهم عندما يتحدثون؟" - العديدَ من الأمور التي تساعد على جعل الطفل كائنًا محاورًا، وسأقتصر هنا على ذكر ما يلزم.

أول ما استنتجته بأنه ما لم تكن هناك مساحة كافية لمشاعر الطرفين في ساحة الحوار، فلم ولن يكون هناك حوار، حتى لو كانت مشاعر أحدهما سلبية، فإنه تكون هناك أيضًا أرض.

ذكرت المؤلفتان أربعَ مهارات من قِبل المحاور للطفل، من شأنها أن تكون مجدافًا للطرفين:
أولاً: أصغِ إليه بانتباه بدلاً من نصف إصغاء:
حوار خاطئ:
الطفل: صديقي لطمني، حسنًا يا أبي هل تسمعني؟
الأب: (يشاهد التلفاز) أستطيع أن أسمعك، تابِعْ ما تقول.
الطفل: وهكذا ضربتُه، ثم عاد وضربني ثانية، هل تصغي إليَّ؟
الأب: (ما زال يشاهد) نعم أنا أصغي لكل كلمة تقولها.
الطفل: كلاَّ إنك لا تصغي!
الأب: أنا أصغي وأشاهد في نفس الوقت.
الطفل: أُف، انسَ
الموضوع!

حوار صائب:
الطفل: صديقي لطمني يا أبي، هل تسمعني؟
الأب: (يلتفتُ لطفله بعد أن كان يشاهد التلفاز).
الطفل: وهكذا ضربتُه، ثم عاد وضربني ثانية بشكلٍ أقوى، إنه لئيم!
الأب: (يبدو على ملامحه التفكير).
الطفل: أتدري؟ سوف ألعب من الآن فصاعدًا مع صديقي الآخر، إنه لا يلطِم الآخرين.

نستنتج بأنه يسهل كثيرًا أن يحكي الطفل اضطرابَه لأهلٍ يعطونه أذنًا مصغية؛ ولا يتحتَّم عليهم الإجابة، كل ما يحتاجه غالبًا صمتٌ متعاطف.

وبأن الرفض الدائم المستمر لمشاعرهم يمكن أن يُسخِطهم، ويعلمهم أيضًا أن يتجاهلوا مشاعرهم ولا يثقوا بها.

ثانيًا: أظهِر اهتمامًا بمشاعره مع كلمات ملائمة مثل: نعم، حسنًا، بدلاً من الأسئلة والنصيحة:
حوار خاطئ:
الطفل: سرق أحدهم قلمي الجديد الأحمر.
الأم: هل أنت واثق أنك لم تضيِّعْه؟!
الطفل: كلاَّ، لم أضيعه، لقد كان على مقعدي عندما ذهبتُ إلى الحمام.
الأم: حسنًا، ماذا تتوقع أن أفعل إذا كنتَ تركتَ أشياءك مبعثرة؟!

حوار صائب:
الطفل: سرق أحدُهم قلمي الجديد الأحمر.
الأم: أوه!
الطفل: لقد تركتُه على مقعدي عندما ذهبتُ إلى الحمام، يبدو أن أحدهم أخذه.
الأم: (تبدي التفكير) اممممم.
الطفل: هذه ثالث مرة يختفي فيها قلمي.
الأم: (تنصت باهتمام).
الطفل: أعرف من الآن فصاعدًا عندما أترك الغرفة، يجب أن أخبئ قلمي في الدرج.
الأم: لقد فهمت.

نستنتج بأن لهذه الكلمات البسيطة مثل: "لقد فهمت، حسنًا، نعم"... وما إلى ذلك، مع موقف من الاهتمام والإصغاء، هي دعوة للطفل بأن يتحرى أفكاره ومشاعره، وقد يصل بمفرده إلى حلولٍ ملائمة.

ليست هناك تعليقات: