30 ديسمبر 2009

حزب فرنسا وحزب الكاتدرائية ! ...د .حلمي القاعود

جلست المذيعة المشاغبة مثل القطة الأليفة تبتسم وتفتعل الابتسام أمام محدثها ، وتحاول بقدر الإمكان أن تختلق المواقف التي تثير الابتسام أو الضحك ، وهو يساعدها بما يقرب من التنكيت والتبكيت للنظام والمجتمع ، ويعرض رؤاه التي تتحدث عن الظلم الذي يلاقيه نفر من الشعب المصري يمثلون طائفة قليلة العدد ، ولكنها تظفر بامتيازات الأسد في الاقتصاد والسياسة والحماية والحصانة . كان زعيم التمرد الطائفي يؤكد ويحرص على التأكيد أن الطائفة يبلغ عدد أفرادها اثنا عشر مليونا ، والمذيعة المشاغبة تؤمن عليه وتستمع إلى مسوغاته ولا تشير من قريب أو بعيد إلى التعداد الذي أذاعته مؤسسة إيبو الأميركية وهي مؤسسة ليست منحازة إلى المسلمين (المتوحشين ) بسبب! وهو تعداد يقول إن غير المسلمين في مصر يبلغ عددهم أربعة ملايين ونصف مليون بكل أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم ، مما يعني أن مطالبهم بالكوتة افتئات على الأغلبية وتحد لها بل إهانة لها وإذلال لا يقبله المنطق ولا العقل ولا الكرامة التي تحرص عليها السلطة .. ولكن رئيس التمرد الطائفي استمر في عرض مظلوميته المفتعلة ، مبايعا للوريث ، مؤكدا على أن قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين بلغ أرذل العمر ، ولم يدخل إلى حيز التنفيذ، لأن السلطة – بالبلدي الفصيح – تضطهد الأقلية الغلبانة الضعيفة ! وكانت المذيعة المشاغبة تؤمن على كلامه وتفتعل الابتسامات والمباسطات والمفاكهات لتحظى بالرضا الطائفي غير السامي في حضرة الزعيم !
ترتب على الحوار التلفزيوني أن قام أحد الوزراء على الفور وذهب إلى الكاتدرائية ، وبدأ الإجراءات العملية في تقديم القانون إلى القنوات الرسمية لإقراره وفقا لرؤية التمرد الطائفي ، وليس وفقا لرؤية بقية الطوائف والاتجاهات التي تتكون منها الطائفة نفسها !
المفارقة أن المذيعة المشاغبة نفسها كانت في رمضان قبل الماضي تستضيف عالما أزهريا من إدارة الأزهر ، وتتناول معه قضايا مصادرة الكتب الإلحادية والإباحية ، وكانت تنهر الرجل الطيب وتزجره كلما حاول التعبير عن رأيه ، لدرجة أنني تمنيت لو كنت مكانه أن أترك لها المكان وأمضى إلى حال سبيلي احتراما لنفسي وحفاظا على كرامتها .. ولكن الرجل الطيب ظل مذهولا مما تفعله المذيعة الشرسة ، لا يدري ماذا يفعل ؟
الفكرة الأساسية في المفارقة أن هناك نفرا في الإعلام والصحافة والسلطة والمجالات الأخرى متأكدون أن التمرد الطائفي في الدولة يملك مفاتيح المنح والمنع ، والغفران والحرمان ، وهذه المفاتيح مرتبطة جيدا بالموقف من الإسلام ، فالارتباط بالإسلام والدفاع عنه يخرج صاحبه من رحمة التمرد الطائفي إلى جحيم الفقر والفاقة والإقصاء والموت الفكري والمعنوي والعملي ، أما إهانة الإسلام والانتقاص منه ومن أعلامه وعلمائه فهو الباب الملكي إلى الدخول إلى جنة السلطة والمال والشهرة والمكانة الاجتماعية .. قارن مثلا بين أعضاء الروتاري والليونز والأونرهويل والأحزاب الشيوعية والعلمانية والماسونية ؛ وبين أعضاء العشيرة المحمدية وأنصار السنة والجمعية الشرعية .. ولا أقول الإخوان أو الجماعات الإسلامية أو حتى الشبان المسلمين ؟
انظر مثلا إلى الملياردير الطائفي الذي استطاع – بأموال المسلمين التي يقترضها بمئات الملايين من الجنيهات والدولارات- أن يشترى معظم الكتاب والمذيعين والصحفيين والإعلاميين في قنواته وصحفه وشركاته ، وفي الوقت نفسه يتبرع للتمرد الطائفي كي يتمدد وينتشر ، ويبني قلاعا على هيئة كنائس ضخمة تؤكد أن مصر نصرانية ..وأن النصارى هم أصل البلد ، حتى لو كانت السيدة هاجر المصرية هي أم العرب ؟
الإسلام يبدو عبئا على صاحبه وخاصة إذا أعلن عن إيمانه بالتصور الإسلامي طريقا إلى العمل والإبداع والإنتاج والسلوك والفكر والحياة انطلاقا من قوله تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ( الأنعام : ،163،162 ).. أما إذا تهاون المسلم في إسلامه ، واتبع طريق التصور الطائفي عن الإسلام فهو رجل مستنير وتقدمي وغير متعصب وغير متطرف وغير إرهابي .. وترضى عنه الجهات التي تملك الحل والعقد ، ويتم تصعيده إلى أعلى المناصب ودرجات الشهرة والمنفعة ..
هؤلاء الذين يرفضون الإسلام ممن يحملون أسماء إسلامية ويتحركون وفقا للرؤية الطائفية ، هم كيان حزبي غير رسمي ، ولكنه متماسك عمليا وموجود في الواقع الاجتماعي والسياسي والفكري ، وهؤلاء يمكن تسميتهم بحزب الكاتدرائية ، لأنهم لا يتركون مناسبة لهجاء الإسلام وتشريعاته ووجوده إلا اهتبلوها وراحوا ينتقدون كل صغيرة وكبيرة بدءا من النقاب والحجاب إلى إقامة الصلاة في مواعيدها ورفع اليدين بالدعاء إلى الله مرورا بتطبيق الشريعة ومنع الربا وتحريم الخمور وعدم الفصل بين الدين والدنيا ورفض الإباحية والخلاعة ..
إن حزب الكاتدرائية الذي يحمل أعضاؤه أسماء إسلامية يصر على رفض المادة الثانية من الدستور ، ويطالب بتعديل الدستور لحذفها وليس إلغاء المواد المقيدة للحريات أو تلك التي تمنع الشعب من المشاركة في تقرير مصيره وبناء مستقبله وتحقيق استقلاله ومحاسبة المفسدين والطغاة والخونة .. كما يسعى إلى استئصال كل أثر للإسلام في التعليم والإعلام والثقافة والاقتصاد والمجتمع والسياسة والمؤسسات.. بل إن هذا الحزب يعمل بلا كلل ولا ملل لزرع الفكرة الفرعونية في وجدان الناس وعقولهم مع أن الفرعونية عار يجب أن يتخلص منه المصريون ، لأن الفرعونية تعني التجبر والطغيان وعبودية الشعب المصري وخضوعه للطغاة . يقول تعالى ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ) " القصص : 4 "، و يقول تعالى : " فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين " ( الزخرف : 54 ) ، ويقول تعالى : " إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين " ( القصص : 8 ) .
ومع ذلك يخرج أحد الأبواق المزمنة في الصحافة المصرية ليقول : نعم نطلق على منتخب الكرة " الفراعنة " لأننا بالفعل فراعنة أولاد الفراعنة العظام الذين قال عنهم أفلاطون " إنهم أساتذتي في الفكر والفلسفة " وهو يوم فخر عظيم عندما نحيي الدولة الفرعونية أول دولة في العالم قادت الإنسانية إلى الحضارة والتوحيد ، وسوف يصبح العيد الأكبر عندما يمسك المصري المسيحي والمصري المسلم بجواز سفر مكتوب عليه : جمهورية مصر الفرعونية . أ . هـ
والبوق المزمن يخلط بين المصرية والفرعونية . نحن مصريون عرب ولسنا فراعنة طغاة . ومصر لن تكون فرعونية ، بل مصر إسلامية وستظل كذلك إلى ما شاء الله . الإسلام عقيدة المسلم وثقافة غير المسلم وحضارته .. إن مصر المسلمة ستبقى على مر الزمان رمزا للعدل والرحمة والحرية .. وسيذهب الفراعنة المعاصرون إلى حيث ذهب الفراعنة القدامي ، ويا لبؤس مصيرهم ونهايتهم !
إن حزب الكاتدرائية هو حزب فرنسا الذي حارب الإسلام في الجزائر ، وسرق أموالها وثرواتها ، وأزرى بلغتها العربية وشخصيتها القومية ، وسرقها حين وجدها فريسة بلا صاحب ولا مالك ، ولكنه سيلقى مصير الفراعنة القدامي أيضا ، وهو مصير مظلم ومؤلم بمشيئة الله .
حزب الكاتدرائية لا يخجل من تسمية المنتخب القومي بالفراعنة ، ولكنه يخجل أن يسمي بمنتخب الساجدين . لأن السجود ملمح من ملامح الصلاة في الإسلام ، وأي ملمح من الملامح الإسلام مرفوض لدى حزب الكاتدرائية بيتنا .
كنت أتمنى أن تكون المذيعة الشرسة المشاغبة في حضرة عالم الأزهر الطيب أليفة مستأنسة مثلما كانت في حضرة زعيم التمرد الطائفي ، مع أنها تنسب إلى أب طيب كان أستاذا في اللغة العربية ، ويعد واحدا من الرواد في تخصصه الدقيق ، وكان في تخصصه منتميا إلى الإسلام ووفيا له ، ولكنها للأسف الشديد انحازت لحزب الكاتدرائية بيتنا من أجل مصالح صغيرة ، وهو حزب مصيره إلى الزوال إن شاء الله لأنه حزب غير طبيعي ، وغير إنساني ، ويتمسك بأهداب الفراعنة الطغاة الذين أغرقهم الله في عز سطوتهم وقوتهم جزاء وفاقا، وكانوا عبرة لمن يعتبر !

ليست هناك تعليقات: