30 ديسمبر 2009

الختان أخطر على المجتمع من التعذيب!! ـ د . حلمي محمد القاعود



والمسألة ببساطة شديدة أن فضيلة الجنرال وزير الأوقاف رأى أن مهمة وزارته الرئيسية في هذه المرحلة هي إعداد داعية عصري قادر على التواصل مع الجماهير والتصدِّي لمشكلاتهم المُلِحَّة التي تمسُّ حاضرَهم ومستقبلَهم، في إطار برنامج الخطاب الديني الذي تتبنَّاه الوزارة منذ فترةٍ طويلةٍ، لذلك فإن الوزارة تضع قضايا ملحَّة (خد بالك من وصف "ملحة" هذه!) على رأس أولوياتها، وتحرص على توضيح الموقف الإسلامي منها، وتبصير الجماهير بها، خاصةً القضايا التي يحدث فيها خلطُ العادات والتقاليد الاجتماعية بالدين ذاته، مثل سوء الفهم الذي يخص موضوع الختان الذي بدأَت الوزارةُ خطةً دعويةً مكثَّفةً لمواجهة أخطاره على المجتمع، من خلال الشرح الوافي لموقف الإسلام الصحيح!

وأضاف فضيلته- كما قالت جريدة (الأهرام) في عددها الصادر 13/8/2007م- أنه تم الانتهاء من طباعة 100 ألف نسخة من كتاب (الختان ليس من شعائر الإسلام)، وتم توزيعه على كثيرٍ من الجهات والهيئات المعنية بهذا الأمر، مثل وزارة الصحة، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، ووسائل الإعلام؛ لتعريف الناس برأي الدين الصحيح حيال الختان؛ حيث إن الكتاب يضمُّ رأيَ شيخِ الأزهر، ودار الإفتاء، ومجمع البحوث الإسلامية، وتُجمِع هذه الجهات على أن الختان عادةٌ وليس عبادةً، بدليل عدم تطبيقه في دول مثل السعودية، وهي مهبط الوحي، ودول الخليج وشمال إفريقيا، وأن الأحاديث التي وردت بشأن الختان ضعيفة، ولا يُعتدُّ بها على الإطلاق.


وكان فضيلة المفتي- الذي سبق له تحريم الختان، مخالفًا فتوى دار الإفتاء نفسها في فتواها (6/1986م) التي تُبيح الختان وتراه مطلوبًا وفقًا لآراء أئمة الفقه والحديث بين الوجوب والندب- قد أجهَدَ نفسه في كتابة مقالَين بـ(الأهرام) قبل تصريح فضيلة الجنرال بأسبوعين تقريبًا، حاول فيهما تسويغ ما ذهب إليه، وشذَّ فيه عن آراء العلماء والفقهاء على مدى أربعة عشر قرنًا بتحريم الختان إرضاءً لبعض سيدات الصالونات ومؤسسات نسوية، ترفض الإسلام من جذوره، وتسعى لإرضاء الغرب الصليبي الاستعماري المتوحش!!




هل يعني إعداد الداعية العصري القادر على التواصل مع هموم الجماهير والتصدي لمشكلاتهم المُلحَّة، كما يريد فضيلة الجنرال أن يكون هذا الداعية قادرًا على تناول قضايا التعذيب حتى الموت التي يمارسها المتوحِّشون من رجال النظام البوليسي الفاشي؟! وهل يستطيع هذا الداعية العصري أن يستنكر احتكار اللصوص الكبار للمواد الأساسية التي تهم جموع الناس وتمثِّل لهم حاجاتٍ ملحةً وضروريةً أو إستراتيجيةً؟ وهل يستطيع أن يتعرض لزوار الفجْر الذين يعتقلون الشرفاء دون ذنبٍ أو جريرةٍ إلا أن يقولوا ربنا الله، وفي الوقت نفسه يتركون المجرمين والمنحرفين يعيثون في الأرض فسادًا باستيراد القمح المسرطن والمبيدات المسرطنة وقتل الناس في العبَّارات والقطارات، وأخذ الرشاوى بالملايين واستباحة دين الأمة ونبيها- صلى الله عليه وسلم- والصحابة رضوان الله عليهم في صحافتها وإعلامها وثقافتها وتعليمها؟!






إن فضيلة الجنرال- وهو يتطوع بطبع كتابٍ عن الختان يتكلف نحو نصف مليون جنيه (100 ألف× 5 جنيهات، تكلفة النسخة في المتوسط)- يهدر أموال الدولة في أمرٍ هامشي وثانوي، وكان الأحرى أن تذهب إلى الفقراء والمعوزين وما أكثرهم!! كنت أتصور أن فضيلته يصدر كتابًا يردُّ فيه على العلمانيين والشيوعيين والمرتزقة الذين يستأصلون الإسلام ويُشكِّكون في ثوابته ورواسخه، ويدعون صراحةً إلى فصل الدين عن الدولة، وإلغاء المادة الثانية التي تنص على إسلامية الدولة من الدستور، ويواجه المسئولين الظالمين الذين لا يسمحون بظهور مذيعةٍ محجَّبةٍ على شاشة التلفزيون، ويطبِّقون "علمانية" أشدَّ وحشيةً من علمانية الخائن "أتاتورك"!

ليست هناك تعليقات: