26 ديسمبر 2009

مصر لم تخسر شيئاً – فهمي هويدي

ما الذي يمكن أن تخسره مصر بعد احتراق مبنى مجلس الشورى؟ وإذا ما امتد الحريق -لا قدر الله- إلى مباني مجلس الشعب ومجلس الوزراء وغيرها من المباني المحيطة؟ وحتى لا يذهب أحد بعيدا في إساءة الظن، فالسؤال يفترض ان الحريق شب خارج مواعيد العمل الرسمية وفي غيبة الأعضاء وغيرهم من رجال الدولة. أدري أن الخسارة المعمارية فادحة، لأن تلك المباني الفنية والعريقة لها قيمة تاريخية كبيرة يتعذر تعويضها. من ثم فليس ذلك موضوع سؤالي.

الذي ينصب اساسا على الخسارة السياسية التي يمكن ان تحل بالوطن. في حال غياب تلك المجالس او تعطلها عن العمل. اجابة السؤال تقتضي منا ان نلقي نظرة على دورها في الحياة السياسية المصرية. ذلك انه بالمعيار الموضوعي - والتاريخي ايضا - فلا اظن ان مجلسي الشورى والشعب اضافا شيئا مهما الى حياة المواطن المصري.

صحيح ان اعضاء المجلسين (اقل من 700 شخص)، او اغلبهم على الاقل، استفادوا كثيرا ادبيا وماديا، كما ان جيش الموظفين العاملين بهما (حوالي 2500 موظف) يتمتعون بمميزات يحسدهم عليها بقية موظفي الحكومة، إلا ان جموع الشعب المصري لم تستفد شيئا من وجود المجلسين. ذلك ان الممارسة أثبتت ان كل الاعباء التي أثقلت كاهل الناس وقصمت ظهورهم استخدم المجلسان لتمريرها، حتى صدرت باسم الشعب. ولا احد ينسى ان اعلان الزيادات الاخيرة في الاسعار لم يذكر انها توصيات او مقترحات حكومية، ولكنه حرص على الاشارة الى انها قرارات لمجلس الشعب.

 في الوقت ذاته فان المجلسين لم يمارسا يوما ما اي نوع من الرقابة على الحكومة. وانما تحولا الى منبرين للدفاع عنها وتسويغ سياساتها، فضلا عن استخدامهما كغطاء لكوارث كثيرة .. (تمديد الطوارئ والتعديلات الدستورية ودفن موضوع العبّارة). ان شئت فقل ان المجلسين اصبحا ذراعين للحكومة بدلا من ان يكونا عينين مفتوحتين على ممارساتها. وكانت الفضيحة ان المجتمع اقتنع بان المجلسين يمثلان الحكومة بأكثر مما يمثلان الناس.

 اما مجلس الوزراء الذي لم يدع يوما انه يمثل الناس أو يستمد شرعيته من انتخابهم فهو في حقيقة الامر منفذ للتوجيهات التي تصدر له من الجهات العليا. وهو امر ليس فيه سر، لان رئيسه واعضاءه لا يكفون في كل مناسبة عن الاشارة الى أن ما يقومون به لا فضل ولا جهد لهم فيه، وانما هو في الأول والآخر تنفيذ للتوجيهات والتزام بالبرنامج المرسوم. ما أريد ان اقوله ان اختفاء هذه المجالس لن يحدث فراغا من اي نوع في الحياة السياسية المصرية، ولن يسأل احد لماذا غابت، لان السؤال المتداول على مختلف الالسنة هو لماذا هي موجودة اصلا. وغاية ما هناك ان التعليمات والقرارات التي كانت تصدر من الجهات العليا ثم تمر على مجلسي الشعب والشورى، او يتلقاها رئيس الوزراء، لتصل الى المجتمع بعد ذلك ستختصر طريقها بحيث يتلقاها الناس مباشرة، بغير تجميل او تمثيل.

ما اريد ان اقوله ايضا انه مادام مبنى رئاسة الجمهورية بخير، فالامور مستقرة في البلد. وعجلة الحياة السياسية ستظل تدور بوتيرتها العادية. بالتالي فان اي مبنى آخر في بر مصر يتعرض لاي ضرر ادى الى هدمه او احتراقه لن يؤثر قيد أنملة في مجرى الحياة او دولاب العمل. لا يستطيع المرء ان يخفي شعوره بالاسف لاحتراق مبنى مجلس الشورى.

وفي الوقت نفسه فإنه لا يستطيع ان يخفي شعورا بالدهشة والقلق ازاء ردود فعل الناس وتعليقاتهم على الحدث، فقد قال لي أحد وثيقي الصلة بالاجهزة الامنية ان موظفي المجلسين الذين انتابهم الفزع حين فاجأهم الحريق وخرجوا الى الرصيف المقابل يتابعون المشهد، سمعوا من الناس الذين تجمعوا في المكان تعليقات تنم عن الشماتة والتشفي والترحيب في بعضب الاحيان - وكان ذلك كاشفا لحقيقة مشاعر عينة عشوائية من الرأي العام تجاه امثال تلك المجالس والمؤسسات التي اصبحت عبئا على المجتمع. ومصدرا لسخط الناس ونقمتهم، حتى ان احد الواقفين قال ان الحريق انتقام إلهي من الواحد الجبار، الذي يمهل ولا يهمل
صحيفة الدستور المصريه الخميس 20 شعبان 1429

ليست هناك تعليقات: