26 ديسمبر 2009

الفارق بين الجهاد والحرب المقدسة ـ د. محمد عمارة

في الفكر الغربي خلط بين مفهوم الجهاد الإسلامي وبين ما عرفته ومارسته الكنائس الغربية تحت عنوان “الحرب المقدسة” التي هي حرب دينية لتغيير العقيدة بالإكراه .. ولقد لعب هذا الخلط ولا يزال دورا سلبيا في اتهام الإسلام بالعنف والإرهاب.
وللعالمة الألمانية الدكتورة “سيجريد هونكة” وهي خبيرة في الحضارتين الإسلامية والغربية كلام نفيس في تصحيح هذا الخطأ وهذا الخلط تقول فيه:
“إن الجهاد الإسلامي ليس هو ما نطلق عليه ببساطة مصطلح “الحرب المقدسة” فالجهاد هو كل سعي مبذول وكل اجتهاد مقبول وكل تثبيت للإسلام في أنفسنا حتى نتمكن في هذه الحياة الدنيا من خوض الصراع اليومي المتجدد أبدا ضد القوى الأمارة بالسوء في أنفسنا والبيئة المحيطة بنا عالميا، فالجهاد هو المنبع الذي لا ينقص والذي ينهل منه المسلم وستمد الطاقة التي تؤهله لتحمل مسئوليته خاضعا لإرادة الله عن وعي ويقين. إن الجهاد هو بمثابة التأهب اليقظة الدائمة للأمة الإسلامية للدفاع بردع كل القوى المعادية التي تقف في وجه تحقيق ما شرعه الإسلام من نظام اجتماعي إسلامي في ديار الإسلام.
واليوم لا يزال الغرب متمسكا بالحكايات الخرافية التي كانت الجدات يروينها حيث زعم مختلقوها أن الجيوش العربية بعد موت محمد – صلَّى الله عليه وآله- نشرت الإسلام بالنار وبحد السيف البتار من الهند إلى المحيط الأطلنطي .. ويلح الغرب على ذلك بكل السبل بالكلمة المنطوقة والمكتوبة وفي الجرائد والمجلات والكتب والمنشورات، وفي الرأي العام بل في أحدث حملات الدعاية ضد الإسلام.
“لا إكراه في الدين” تلك هي كلمة الإسلام الملزمة، فلم يكن الهدف أو المغزى من الفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني أن يظل نصرانيا ولليهودي أن يظل يهوديا كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحد أن يؤدوا شعائر دينهم، ما كان الإسلام يبيح لأحد أن يفعل ذلك .. ولم يكن أحد لينزل أذى أو ضررا بأحبارهم وقساوستهم ومراجعهم، ولبيعهم وصوامعهم وكناسهم.
لقد كان أتباع الملل الأخرى بطبيعة الحال من النصارى واليهود هم الذين سعوا سعيا لاعتناق الإسلام والأخذ بحضارة الفاتحين ولقد ألموا في ذلك شغفا وافتتانا فاتخذوا أسماء عربية وثيابا عربية وعادات وتقاليد عربية واللسان العربي وتزوجوا على الطريقة العربية ونطقوا بالشهادتين لقد كانت الروعة الكامنة في أسلوب الحياة العربية والتمدن العربي والسمو والمروءة والجمال.
باختصار السحر الأصيل الذي تتميز به الحضارة العربية والكرم والتسامح وسماحة النفس كانت هذه كلها قوة جذب لا تقاوم .. إن سحر أسلوب المعيشة العربي ذاك قد اجتذب الصليبيين إلى فلكه إبان وقت قصير كما تؤكد شهادة الفارس الفرنسي “فولشير الشارتي”: “وها نحن الذين كنا أبناء الغرب قد صرنا شرقيين!”.
ثم راح هذا الفارس يصور إعجابه بالسحر الغريب للشرق العربي بما يعبق به من عطر وألوان تبعث النشوة في الوجدان ثم يتساءل بعد ذلك مستنكرا: “أفبعد كل هذا ننقلب إلى الغرب الكئيب؟! بعدما أفاء الله علينا وبدل الغرب إلى الشرق؟!”.
ثم تختتم المستشرقة الألمانية شهادتها هذه على اختلاف الجهاد الإسلامي عن الحرب الدينية المقدسة وتقول بعد حديثها عن الجاذبية الحضارية العربية التي فتحت القلوب والعقول أمام الإسلام فتقول: “بهذا انتشر الإسلام .. وليس بالسيف أو الإكراه”.
وفي مقابل هذه الصورة الإسلامية أشارت “سيجريد هونكة” إلى الحرب الدينية التي مارسها الصليبيون ضد المسلمين عندما احتلوا القدس 1099م عندما كان البطريرك الصليبي “يعدو في أزقة بيت المقدس وسيفه يقطر دما، حاصدا به كل من وجده في طريقه، ولم يتوقف حتى بلغ كنيسة القيامة وقبر المسيح فأخذ في غسل يديه تخلصا من الدماء، مرددا كلمات المزمور: “يفرح الأبرار حين يرون عقاب الأشرار، ويغسلون أقدامهم بدمهم” .. ثم اخذ البطريرك في أداء القداس قائلا: إنه لم يتقدم في حياته للرب بأي قربان أعظم من ذلك ليرضي الرب” !!.
تلك شهادة غربية على الفارق الجوهري والبون الشاسع بين الجهاد الإسلامي وبين الحرب الدينية المقدسة التي عرفها ومارسها الغربيون.

ليست هناك تعليقات: