لقد بلغت الآفاق الإسلامية –في حقوق المواطنة- آفاقا لم تعرفها ديانة من الديانات ولا حضارة من الحضارات قبل الإسلام، ودولته التي قامت –بالمدينة المنورة- على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قبل أربعة عشر قرنا.
وكما مثل دستور هذه الدولة –الصحيفة .. والكتاب- أول نص دستوري يقيم حقوق المواطنة وواجباتها بين الرعية المتعددة دينيًا – المؤمنون واليهود- فلقد مثل العهد الدستوري الذي كتبه رسول الله صلَّى الله عليه وآله وهو رئيس الدولة للنصارى –عهده لنصارى نجران- مثل التجسيد والتقنين لكامل حقوق المواطنة وواجباتها.
ففي الأمور المالية قرر هذا العهد كامل العدل مع غير المسلمين من رعية الدولة الإسلامية، وجاء فيه –عن الخراج والضرائب-:
“لا يجار عليهم، ولا يحملون إلا قدر طاقتهم وقوتهم على عمل الأرض وعمارتها وإقبال ثمرتها، ولا يكلفون شططا، ولا يتجاوز بهم أصحاب الخراج من نظرائهم”.
“لا يجار عليهم، ولا يحملون إلا قدر طاقتهم وقوتهم على عمل الأرض وعمارتها وإقبال ثمرتها، ولا يكلفون شططا، ولا يتجاوز بهم أصحاب الخراج من نظرائهم”.
وفيما يتعلق بدور عبادتهم، لم يكتف الإسلام بإباحة إقامة هذه الدور من الكنائس والبيع وإنما أعلن التزام الدولة الإسلامية بإعانتهم على إقامتها…فجاء في هذا العهد الدستوري الذي كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم “..ولهم إن احتاجوا إلى حرمة بيعهم وصوامعهم أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد ـ (أي دعم وإعانة) ـ من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها، أن يرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون دينا عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء بعهد رسول الله لهم، ومنة لله ورسوله عليهم”!..
وفي حرية الاعتقاد، جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فريضة إسلامية مقدسة، وليست مجرد حق من حقوق الإنسان، يمنحها حاكم ويمنعها آخرون.. فجاء في هذا العهد الدستوري: “.. ولا يجبر أحد ممن كان على ملة النصرانية كرها على الإسلام “ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إلَيْنَا وأُنزِلَ إلَيْكُمْ وإلَهُنَا وإلَهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (العنكبوت: 46).. ويخفض لهم جناح الرحمة، ويكف عنهم أذى المكروه حيث كانوا، وأين كانوا من البلاء”..
ومع تقرير كل هذه الحقوق، حقوق المواطنة، لغير المسلمين، من قبل الشريعة الإسلامية، وليس باستبعادها وعلى أنقاضها لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم وحماية الأنفس والدماء والأموال والأعراض وأماكن العبادة والحريات”.. مع تقرير هذه الحقوق، قررت الشريعة الإسلامية واجبات المواطنة، فنصت على أن يكون الولاء والانتماء للوطن، وليس للأعداء الذين يتربصون بهذا الوطن ويكيدون لأهله..فجاء في العهد النبوي للنصارى: “.. واشترط عليهم أمورًا يجب عليهم في دينهم التمسك والوفاء بما عاهدهم عليه، منها: ألا يكون أحد منهم عينا لأحد من أهل الحرب على أحد من المسلمين في سره وعلانيته، ولا يأوي منازلهم عدو المسلمين، ولا يساعدوا أحدًا من أهل الحرب على المسلمين بسلاح ولا خيل ولا رجال ولا غيرهم، ولا يصانعوهم.. وأن يكتموا على المسلمين، ولا يظهروا العدو على عوراتهم..”..
هكذا قررت الشريعة الإسلامية - وليست العلمانية- كامل حقوق المواطنة وواجباتها منذ اللحظة الأولى لقيام دولة الإسلام، الأمر الذي جعل الدولة الإسلامية قائمة على التعددية الدينية طوال تاريخ الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق