أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن "فاجعة" جدة تدعونا إلى تصحيح الأوضاع قبل أن تتكرر المأساة، مشيرًا إلى ضرورة محاسبة المسئولين عن حدوث هذه الكارثة الإنسانية، وأن يتم فتح ملفات الفساد بكل شفافية، لافتًا إلى أننا لا يمكن أن نقيم المشانق لأناسٍ دون أن نتأكد، ونحدد، ونحاكم.
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "أسرار" ـ: إنه لابد من أن يكون هناك شفافية ودقة كاملة في التعامل مع هذه الكارثة، وأن نباشر بإعلان الأرقام والإحصائيات وعدد المفقودين والوفيات بدقة، وأن يكون هناك مركز رسمي للقيام بمثل هذه الأمور، حتى لو لم ينشر الخصوم ـ أو من نقول عنهم أنهم أحيانًا يستغلون هذه الكوارث لأهداف إيديولوجية ـ هذه الأرقام والإحصائيات.
فساد..وخيانة
وأضاف فضيلته ـ تعقيبًا على مداخلة من أحد المشاركين في البرنامج، تقول: بعد كارثة جدة ألم يحن وقت الشفافية لفتح ملفات فساد؟!! ـ: إنه لاشك أن اللجنة التي تم الإعلان عنها برئاسة الأمير خالد الفيصل وتم تفريغها لمباشرة هذا العمل وفيها أيضًا وكيل الإمارة الدكتور عبد العزيز الخضيري ـ وهو رجل كفء، أحسبه والله حسيبه ـ، وعدد من المسئولين في دوائر عديدة، يمكنها أن تضع النقاط على الحروف خلال شهور معينة، فالقضية لا تزال حية في الأذهان، فضلًا عن أن هناك مطالبات بأن يتم تعميمها في أكثر من مكان وأكثر من مدينة لمعرفة أي تسيّب أو فساد مالي، أو بعض العقود التي يتم أحيانًا إرساؤها على شخص معين.
وتابع: لقد حدث مرة في إحدى المدن ـ ولا أسميها ـ أنه تم إرساء عقد على شركة أو شخص معين، فقام بوضع غرف تفتيش فقط دون أن يضع المجاري الموصلة بين هذه الغرف !، مؤكدًا أن هذه تعد خيانة كبيرة.
هل هذه عقوبة لأهل جدة!!
وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن ما حدث لأهل جدة هو بسبب ذنوب أهل جدة ورسالة إنذار لهم، قال الشيخ سلمان: الناس مصابون، لماذا نجلدهم زيادة؟، ثم إن هذه المصيبة التي نزلت في جدة وقعت لضعفاء وبسطاء ومساكين وأحياء شعبية بعيدة عما يقولون، فهل تظنون أن من العدل أن يخطئ هذا ويُضرب جاره؟، هذا ليس من العدل، وعلى الخطباء أن يرفقوا ويعالجوا هذا الأمر بحكمة.
وأضاف فضيلته أن المطر في أصله رحمة بالعباد، ولكن الخطأ فينا، وفي عدم إيجاد الحلول وعدم توقع المفاجآت وحدوث مثل هذه الأشياء، وهذا الذي نحاسب عليه، ولذلك فمن الخطأ إطلاق هذا الكلام على عواهنه وكأن هذه عقوبة، لافتًا إلى أن هذا الكلام قيل عندما حدث زلزال العيص، موضحًا أن هذا قد يكون رحمة وتذكيرًا ودعوة إلى أن نصحح أوضاعنا قبل أن تكون الأمور أشد أو تتكرر المأساة في مكان آخر..
حدث مروِّع
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إننا كمجتمعات شرقية، وبالذات عربية، تمضي أحيانًا كوارثنا وهي مغطاة بالأسرار بطريقة أو بأخرى، والآن نحن نواجه كارثة فيضانات جدة، قال الشيخ سلمان: إن فاجعة مدينة جدة حدث إنساني مروع صنع خوفًا من المستقبل، وأحزانًا، وقصصًا مفزعة، كشفت أخطاء وزلات نقلت المتسبب من جريمة الاختلاس والسرقة إلى جريمة القتل وإزهاق الأرواح، مشيدًا بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين بتأسيس لجنة لمحاسبة ذوي الضمائر المريضة، وداعيًا إلى تعميمها في المناطق دون انتظار لتكرار الكارثة.
أيام صعبة
وأضاف فضيلته: لقد كانت أيامًا صعبة، ونحن نرى أعدادًا كبيرة وأسرًا بأكملها وحالات مثيرة للحزن الشديد، في ظل خوف على المستقبل، وأن تتشح العروس بثوب الحداد، مشيرًا إلى أن قطرات من المطر ربما لم تكن بمعدل مرتفع، وأن هناك الكثير من بلاد العالم ـ منها ما هو أكثر تأخرًا وأكثر في الإمكانيات المادية وفرص التنمية وتدعيم البنية التحتية من المملكة ـ يحدث فيها مثل هذا باستمرار، خاصةً في المدن الكبرى، مع أن المدن الصغرى في كثير من بلاد العالم تجدها صورة من المدينة الكبيرة، لكن بشكل أصغر وبشكل أقل، حيث تجد أن كل الخدمات متوفرة في المدن الصغرى كما هي في المدن الكبرى.
وتابع: لقد كانت المهمة صعبة جدًا، مع أنه لابد من البوح والحديث، وذلك لأن بعض المسئولين أحيانًا قد يشعرون بأن النقد لظاهرة معينة أو خطأ كأنه يستهدفهم شخصيًا، ولذلك يتردد الإنسان في نوعية أو حجم الكلام الذي يقوله، لأن هناك أمانة ومسئولية هي مسئولية الكلمة، وخاصة في مثل هذه الأزمات الصعبة.
تحدٍّ..وخوفٌ من المستقبل
وأردف الدكتور العودة: هناك أحزان على الماضي، وما جرى من حوادث وقصص مفجعة صورتها عدسات المصورين المحترفين وأقلام الكتّاب وربما قصائد الشعراء توقفت عندها عبارات الكثير من السياسيين تجاه هذا الحدث، فقد كان هناك الخوف، والذي بدوره صنع خوفًا من المستقبل أن يكون الكثير من البنى التحتية إذا تعرضت لاختبار ربما يتبين أن هناك خللًا كبيرًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يشكل تحديًا ضخمًا أمام المملكة.
وأوضح فضيلته أن المجتمع السعودي واجه تحديًا ضخمًا في مواجهة الإرهاب، ولكن من خلال وجود تعاطف شعبي ضد هذا العمل، وتوجه إلى محاربته، فلم تمتد جذوره بشكل كبير، مع وجود معاناة صعبة ولا تزال، ولكن مع ذلك كان هناك مناعة عند الناس وإحساس بأن هذا هو تدمير لمكتسباتهم وللبنى التحتية في البلد، والقضاء على الفرص الحياتية الجميلة، فضلًا عن أنه لا يخدم دينًا ولا دنيا.
وتابع: لكن في مثل هذه الأحداث التي جرت، فإن خطورتها تكمن في أن الناس فيها لا يصبحون مع المسئول، وإنما هم في طرف آخر، بحيث يكونون في مقام المعاتبة والمحاسبة والسؤال، بل بعض الناس في مقام الغضب والانفعال ولا تستطيع أن تلومهم، لأن الإنسان إذا غضب فمن الصعب محاكمته إلى المنطق ولو على الأقل فيما يتعلق بالكلام.
شجاعة..وشفافية إعلامية
واستطرد الشيخ سلمان، قائلًا: ولكن نؤكد على أهمية التوجيهات التي صدرت من خادم الحرمين الشريفين فيما يتعلق بتعويض المتضررين، وتشكيل لجنة، والكلام الذي نُشر عنه في مسألة أن هناك بلادًا أقل منا ومع ذلك يقع فيها مثل هذه الأمطار ولا تقع فيها مثل هذه الكوارث، وأن نملك الشجاعة للاعتراف بالخطأ والتقصير، فهذا من الشفافية الإعلامية التي ننادي جميعًا بها.
وأكد فضيلته على أهمية أن يكون هناك قدر من الحرية الإعلامية في تناول مثل هذه الكوارث وهذه الأخطاء، والصبر على الناس، والإذن لهم أن يتحدثوا، لأن الناس إذا تحدثوا فإن ذلك لا يمثل مشكلة في واقع الأمر، ولكنهم يساهمون في التنفيس أو التخفيف أو حل المشكلة.
لافتًا إلى ضرورة أن يكون الإعلام، حتى الإعلام الرسمي، لديه القدرة على تغطية مثل هذه الأحداث، وذلك لأننا نعيش في عصر العولمة، حيث تنقل القنوات العالمية مثل هذه الأحداث، حتى كاميرا الجوال والوسائل الشخصية ربما تلتقط أفضل اللقطات وتنشر على اليوتيوب، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "الإعلام التفاعلي".
بيدي لا بيد عمرو
وتابع الدكتور العودة: إننا لابد أن نساعد على نشر الشفافية، ولكن مع وجود هذا العالم، فكما يقول المثل العربي: (بيدي لا بيد عمرو)، بأن نكون نحن قادرين على كشف أخطائنا وعثراتنا والاعتراف بزلاتنا وبعجزنا، وطرح التساؤلات حول الأموال التي تم الإعلان عنها لتنفيذ مشاريع في جدة في عدة سنوات ومليارات، فأين ذهبت تلك المليارات التي خصصت لمثل هذه المشاريع؟ مشيرًا إلى أن المهمة لم تعد صعبة بعد ما أعلنه الملك عبد الله.
وأكد فضيلته أنه مع تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الكارثة، فإنه لابد من وجود حلول عاجلة لبحيرة المسك التي يخشى أن تفيض وألا يتخذ تغليب السلامة عادة، وأن تكون هناك مباشرة فورية لمعالجة أزمة التصريف في جدة التي يعاني منها أهل جدة منذ سنين طويلة، ولكن لا يستمع إليهم، وكذلك ما يتعلق بالمياه العذبة التي يحتاجون إليها وما يتعلق بعدد من البُنى التحتية.
وقال الشيخ سلمان: إن الأمر يجب أن يشمل أيضًا مدنًا أخرى غير جدة، بحيث لا يحوجنا الأمر إلى وقوع كارثة أو أزمة حتى نلتفت إلى هذا البلد أو ذاك، ولكن علينا أن نحوّل الأزمة إلى منحة؛ بأن نقوم بعمل فحص للأوضاع المختلفة في كل البلاد، لافتًا إلى ضرورة أن يكون هذا في إطار من العمل الفوري والحسم.
محاسبة المقصرين
وأضاف فضيلته أنه لابد أن تكون هناك مدة لنهاية عمل اللجنة، وألا يقتصر الأمر على عزل موظف، ولكن يجب محاسبة جميع المسئولين عن هذه الكارثة، مشيدًا بما تم تداوله حول منع عدد من المسئولين الذين يحتمل أن يكون لهم علاقة بالكارثة من السفر لحين انتهاء التحقيقات.
وأشار الدكتور العودة إلى ضرورة أن تكون هناك فرصة لمحاسبة ذوي الضمائر المريضة في أكثر من مكان، والذين آخر ما يفكرون به هو مصالح الناس، في حين أن تركيزهم كله ينصب على كمّ من المال داخل جيوبهم، وكمّ في أرصدتهم، معربًا عن رغبته في عدم وجود هذه الفئات في مجتمعاتنا، مضيفًا: لكن مثل هذه الأحداث تؤكد أنها مع الأسف موجودة.
أخطاء..ولكن
وأوضح الشيخ سلمان أن هناك بعضًا من الأخطاء التي يجب ألا نقع فيها عند معالجة مثل هذه الكارثة، منها:
1 ـ لوم الضحية: فمن المروءة والذوق ألا نلوم الضحية، وألا نلقي عليه بالتبعة، ونقول إنه أهمل أو فرط، وأن نحمله المسئولية عن الذي حدث.
2 ـ الاحتجاج بالقضاء والقدر: وهذه تتكرر، فالقضاء والقدر حق، ولكن في هذه الكوارث لا ينبغي أن يكون القضاء والقدر مهربًا عن محاسبة المقصرين، مؤكدًا أن محاسبة المقصرين شريعة ربانية جوهرية.
3 ـ البعد عن الواقعية: فلابد أن نحرص على أن يتعامل الناس مع الحدث بقدر من الواقعية، وإن كنا لا نلوم الناس إذا حدث عندهم غضب وانفعال.
لا فرق بين ميت وميت
وفيما يتعلق بالذين ماتوا جراء هذه الكارثة، وهل هم شهداء أم لا، وما موقف الذين هم غير سعوديين، قال الشيخ سلمان: لا اعتراض في القتلى، وهم شهداء إن شاء الله، لأن الغريق شهيد كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، سواء من كان منهم سعوديًا أو غير سعودي، لكن يجب أن نؤكد أنه لا داعي للتركيز المفرط على هذا الأمر وكأننا نفرض العنصرية حتى في حالة الوفيات، فالذين يقيمون على ثرى هذه البلاد لهم حقوق أهلها، والحفاظ عليهم مهم جدًا كالحفاظ على أبناء البلد.
وأضاف فضيلته: إن الإعلان عن هذا أمر طبيعي، لكن يجب عدم التركيز على هذا في المقالات والأحاديث وكأن هناك تفريقًا بين ميت وميت.
الدعم مطلوب
وأكد الدكتور العودة على ضرورة أن ندعم إخواننا المتضررين، مشيرًا إلى أن هذا البلد فيه خير كثير، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية، وذلك إذا كان هناك شفافية في ضبط المال ومحاربة الفساد ووضع الأمور في مواضعها.