‏إظهار الرسائل ذات التسميات د. سلمان العودة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات د. سلمان العودة. إظهار كافة الرسائل

22 أبريل 2011

لدي حلم....د.سلمان العودة.




حين قال مارتن لوثر كنج كلمته السائرة: " أنا لدي حلم " كان يتحدث بأكثر من لغة ، أهمها لغة الإنسان .



أحلام المنام ضرب من الخيال, ما زال الإنسان يدأب حتى حقق معظمها , فطار في الفضاء ، وأبدع وابتكر وذلل الصعاب وقهَر المستحيل .



الحلم فوق الطموح



وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً        تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ





الهدف حلم مؤقت له مدة ينتهي إليها ؛ أما الحلم فهو شوق دائم متصل بنبض القلب وخفق الروح وتطلع العقل وسبح الخيال .

حين يتحقق الحلم كأنه يتبخّر ، إذا قطفته مات ، فأجمل ما في العمر هو الانتظار ، لحظات الترقب مشحونة بتفاعل غريب هو ذروة الحياة .

سيظل الحلم حلماً , يُروى بدموعنا , ويقتات من سهرنا , ويستحوذ على يقظتنا ومنامنا .






كان مارتن لوثر كنق يقول :

" سأزرع شجرة التفاح , ولو كنت أعلم أن نهاية العالم هي الغد " .

وهو اقتباس من مكنون الحكمة الإنسانية الرفيعة .

مشكاة النبوة كانت أبلغ حين قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره : « إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ». مقام النبوة ذكر النخل " الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل " .

وهي تشبه الرجل المؤمن ، رمز الصبر والانتظار والمقاومة واحتمال العطش !

إذا قِيل هَذا مَنْهلٌ قُلت قَدْ أَرى     وَلَكنَّ نفسَ الحرَّ تحتملُ الظَّمَا !


لم يقل : غداً ، وإنما قال : الآن .. لو اختلست بضع ثوانٍ لتغرس الفسيلة قبل أن يلحقك الفَوت فافعل !







الوعد الحق " الأجر " تغذية للطموح حتى في عمل الدنيا الذي يعلم أنه لا يثمر ، مجرد " الفعل " هو حفظ لإنسانية البشر من التلاشي والانهيار .

هذا سرّ الغيب في الثواب الأخروي ، وهو حافز آخر غير مجرد الإيمان بأهمية الفعل .

الحلم نقلة من ضيق اللحظة إلى سَعة المستقبل ، من الإحباط إلى الأمل والتفاؤل ، من الخوف إلى الرجاء والتطلع .



الطفل الفقير يحلم بتفاحة يقضمها ، أو فراش وثير ينام عليه ، أو دمية يلعب بها .

الخائف يحلم بالأمان ، ولا يفكّر بما سواه ، والمخاوف هي عدو الأحلام , وحينما يستحوذ الخوف يبدو المرء مكبلاً بالقيود .

قد يعيش المرء في زنزانة يراها ويلمس قضبانها ويحس بأنه محبوس .

وقد يعيش في زنزانة لا يراها , ولا يلمس قضبانها ويظن بأنه حرّ ، وهو قنٌّ مثقل بأوزار الحديد !

تأمّل لغتك .. كم مرة في اليوم تقول : نعم ولكن أخشى !

العائلة حلم جميل ، إشباع لرغبة الامتداد الإنساني ، ورؤية الذات في الآخر ، بشكل منفصل جسدياً ، متصل روحياً ووجدانياً .

قمة الهرم الثقة بالنفس وقدراتها ، والجرأة على بدء الخطوات الأولى نحو الحلم العظيم .

أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها     ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

ثَمّ مَن يحاصر الحياة ، وأسوأ منه من يحاصر الأحلام ، فلا يريد من الناس أن يحلموا , أو أن يمتدّ خيالهم إلى أبعد من معاناتهم اليومية .

السعادة حلم

والنجاح حلم .

والسعادة نجاح ، والنجاح سعادة .

والحرية حلم , حتى لدى الطائر يضرب شباك القفص ويرنو إلى الفضاء ، أو القطّ يموء ويتمسح بالباب يطلب الانعتاق من ذل القيد .

والعدالة حلم المجموع , حين تذوب الفوارق المصطنعة ويتساوى الكل أمام سلطة الدنيا أو سلطة الآخرة ..

ولقد قُلت لِنفسي, وأنا بين المقابر..

هل رأيتِ الأمن والراحة إلا في الحفائر ؟

فأشارت, فإذا للدود عَيْثٌ في المحاجر

ثم قالت : أيها السّائل إني لست أدري !

انظري كيف تساوى الكل في هذا المكان

وتلاشى في بقايا العبد رب الصولجان

والتقى العاشق والقالي فما يفترقان .

شعورك بأنك يجب أن تضيف شيئاً إلى الحياة ، أنك تعيش مخلصاً لحلم تنتظره .. هذا يكفي !

مُنىً إِن تَكُن حَقّاً تَكُن أَحسَنَ المُنى      وَإِلّا فَقَد عِشنا بِها زَمَناً رَغدا
أَمانِيُّ مِن سُعدى عِذابٌ كَأَنَّما       سَقَتنا بِها سُعدى عَلى ظَمَإٍ بَردا

أن تكون مثالاً لمبدع أو متفوق ، أو نمطاً جديداً يفتح آفاقاً لآخرين ، أو نموذجاً مركباً من نماذج عديدة !

سألني فتى عن أهم أحلامي ؟


فقلت : أن أموت وأحلامي تنبض بالحياة ، وتواجه التحدّي ، وتنفخ روح الأمل في ضمائر البائسين واليائسين والمحبطين .

لا تَخَفْ على حلمك متى كنت مخلصاً وصبوراً ، لأن العالم حينئذٍ سيتآمر كله لتحقيق حلمك ,كما قال " باولو كيليو " ذات مرة .

يجب أن يكون الحلم عشقاً رائعاً , يخالط اللحم والدم , ويتخلل العظم ، ويطلّ من العيون ، ويسكن اللغة ، ويندفع مع الزفير ليعود مع الشهيق !

الفتى يرسم الحلم في سيارته أو دفتره ، والفتاة ترسمه في غرفتها أو شنطة يدها ، وقبل هذا يجب أن يكون مرسوماً في سويداء القلب وأعماق الوجدان ومسكن الروح .

ستلقي هنا بالأعذار والمعوقات في سلة المهملات , ولن تسمح للإخفاق أن يكسب الجولة .

عندما سجّل الصبي المعدم حلم الطفولة أن يمتلك حقلاً وخيولاً ومضماراً ؛ شطب المعلم على درجته , وحرمه من متعة الحلم ..

كيف تحلم بهذا وأنت لا تمتلك قيمة الدفتر الذي تدون فيه حلمك , والذي كان هدية من جمعية خيرية !

يعرض على تلميذه أن يعيد الامتحان ؛ فيرد الصبي بكبرياء :

-احتفظ بدرجتك ، وسأحتفظ بحُلُمي !

يا للعظمة ! حين تتمثل موقفاً شامخاً يستعلي على الاستلاب ، ويصرّ على المواصلة ليجد نفسه في نهاية المطاف حيث يحب !

إنه التحدي الذي يضطرك أحياناً إلى المضي قدماً في طريقك غير عابئ بسارقي الأحلام .

" احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ " دعوة نبوية للتعاطي الجاد مع الفرص الإيجابية بروح المبادرة والإنجاز .

" وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ " فحين تربط حلمك بالله تمنحه أزلية وسرمدية ؛ ليتحول من حلم فرد إلى أحلام أمة ، من حلم دنيوي معزول إلى أفق فسيح ممتد إلى حيث الآخرة والعدل والقسط والفضل الرباني,  في نعيم لم تر عين , ولم تسمع أذن , ولم يخطر على بال .

" وَلاَ تَعْجِزْ " وكيف يعجز من وقود روحه من جذوة الإيمان .

" وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ " .

فالإيمان ليس جبرية عمياء ، ولا استسلاماً ولا جحوداً للطاقة الإنسانية الهائلة ، وليس بكاء على الأطلال ، ولا جزعاً من تغيرات الأحوال ، إنه اليقين بأن الخير حيث يضعك الله ، وأنك كل يوم تنشئ حلماً جديداً ، وأملاً جديداً ، ونجاحاً جديداً .

وما لم تمتلك القدرة على الحلم ؛ فلن تفعل شيئاً .

يقول إينشتاين : " الخيال أهم من المعرفة " .

عليك أن تحذر أن تدجّن حلمك ؛ لتجعله صورة مشوهة مسكونة بتعرجات الواقع واعوجاجاته ..

احلم دون قيود .. أطلق خيالك .. واصنع عالمك الافتراضي الذي سيغدو حقيقة ملموسة متى آمنت بها ..

سوف نتفوق حينما نمتلك أحلاماً وردية بعدد شخوصنا ، أو حينما يفلح أولئك الذين يمتلكون الأحلام الجميلة من الإمساك بناصية الحياة .

سوف نتفوق حينما يصبح الخطاب المتدين حافزاً للأحلام وليس رقيباً عليها .




19 أبريل 2010

نـــــقـــد الـــــــــذات - الشيخ/ سلمان العودة

*كان يسير في مركبته بعكس الاتجاه ويشاهد أرتال السيارات التي إلى جواره ماضية
في طريقها .. وحين التقط صوت الجهاز اللاسلكي يقول فيه أحد رجال المرور للآخر :
هنا سيارة تسير عكس الاتجاه ، جعل يقلب رأسه ويتأفف قائلاً : ليتها سيارة واحدة
، كل السيارات سائرة عكس الاتجاه !*
*حين حكيت هذه الطرفة لابنتي عززتها بقصة الرجل الذي اشتكى للطبيب أن زوجته
ضعيفة السمع ، فطلب إليه الدكتور أن يخاطبها من بعيد ثم يقترب شيئاً فشيئاً حتى
يعرف مقدار الضعف في سمعها .*
*خاطبها سائلاً عن وجبة العشاء ، ولم يظفر بجواب ، واقترب وخاطبها أخرى ،
فثالثة ، وأخيراً وقف على رأسها وسألها عن وجبة العشاء .. ردت :*
*-خمس مرات أقول لك : دجاج بالفرن !*
*لم يخطر في باله أن الضعف في أذنه هو !*
*حين يتصل بك صديق ويحدث تشويش في الخط يتصرف تلقائياً وكأن الخلل في جهازك ،
أو المشكلة في الأبراج القريبة منك !*
*سنكون سعداء حين نشرح معاناتنا لأحد فيبدأ في التعاطف معنا وإلقاء اللوم على
الآخرين ، بينما نعد من الخذلان أن يحاول تمرير رسالة هادئة مفادها أننا (ربما)
نتحمل بعض المسؤولية !*
*وأن الحل يبدأ من عندنا وحتى حينما يتلو علينا القرآن (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِكُمْ)(آل عمران: من الآية165) سنقوم بالإيضاح أن المعنى أن الخلل في
الناس الذين يشتركون معنا في الانتساب للإسلام أو للوطن وليس معناه أننا شخصياً
شركاء في التبعة والمسؤولية .*
*يطرب الناس لمتحدث أو كاتب يهاجم الخصوم والأعداء ويشتمهم ويفضح ألاعيبهم
وخططهم وهو محق فعلاً ، فمن شأن العداوة أن تفرز مثل هذه الخطط والحيل
والألاعيب .*
*لكننا سنشيح بوجوهنا ونتمعر ونزمُّ شفاهنا حين نجد الصوت يتعالى في نقد
ممارساتنا ، أو تحليل شخصياتنا ، أو تفنيد بعض عاداتنا السيئة المستحكمة التي
أصبحت جزءاً رئيساً في طرائق تفكيرنا وسلوكنا الفردي ، وتعاملنا الأسري ،
ونظامنا الاجتماعي ..*
*سنسير خطوات يسيرة ، ونتجرع رشفة مرة ونتظاهر بالروح الرياضية ، ونعلن أننا
نقبل النقد بصدر رحب ، وأن الذي ينتقدنا خير من الذي يمدحنا .. لننكفئ بعد ذلك
.. ونلتف على الموضوع مستنكرين حالة الإفراط في النقد .. وأننا أصبحنا " نجلد "
ذواتنا !*
*مصطلح " جلد الذات " صحيح ، ولكننا نستخدمه أحياناً في غير محله ، نستخدمه
لتعثير المشرط الذي يتخلل جراحنا ويضعنا أمام أخطائنا وعيوبنا وجهاً لوجه .*
*الذي ينتقد الأعداء يتحدث عن قضية مشتركة مجمع عليها فالجميع يصفق له ويثني
عليه ، لأنه يتحدث في منطقة آمنة لا خوف فيها ، ولكن ربما أفرط وبالغ حين صوّر
إخفاقاتنا وكأنها من صنع أعدائنا ولا يد لنا فيها .*
*أما الذي يكشف عيوبنا أو يحاول ، ولو لم يحالفه التوفيق ، فهو يضع يده على
موطن العلة ، وما كانت سهام الأعداء لتضرنا لولا أننا أتينا من قِبَل أنفسنا ،
والله تعالى يقول : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ
شَيْئاً)(آل عمران: من الآية120) .*
*الواقع الذي نعيشه أفراداً وأسراً وجماعات ومجتمعات وحكومات هو الشيء الذي
نعبر عنه بـ " التخلف " فلماذا نتلبسه ونتشربه ونتعصب له ونحامي دونه ، ونعتبر
أن من يريد فصلنا عنه مؤذياً وجارحاً ومتهجماً ؟*
*دعني أقل .. ما الذي يجعلنا أحياناً نقول نقداً كهذا .. ونهاجم أمراضنا وعللنا
بقوة وشجاعة ثم ننصرف وكأننا لسنا جزءاً من هذا الواقع المنقود .. هل نقدي يعني
أنني بمنجاة ومعزل عن هذه الآثام الشائعة ؟*
*عليّ حين أنتقد أن أدرك أن النقد يتجه إليّ شخصياً مثلما يتجه للآخرين وإلا
فسيكون بغير معنى ! إذا كانت محصلته أنني أنتقد لأثبت تفوقي على الآخرين
وسلامتي من معاطبهم !*
*النقد ليس تشفياً ولا تصفية حساب لكنه طريق إلى الفهم والإصلاح والتدارك وحين
نكون مخلصين فيه سندرك أن الحق هو أن نبدأ بأنفسنا ولا نجعلها استثناء ، ولا
نتعالى عن هذا الواقع وكأننا أوصياء عليه من خارجه (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا
الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35).*
**

28 فبراير 2010

قانون السر -الشيخ سلمان العودة

سألني أحد الشباب, عن كتاب «السِّر» من تأليف الاسترالية « روندا بايرن»؛ فأحوجني إلى شرائه وقراءته، وصَحبتُه في بعض سفري، فرأيت نظرية تقوم على تحفيز كوامن النّفس للتفاؤل والعمل, والثقة بأن ما يريده المرء أو يحاوله ممكن، بل هو واقع لا محالة، متى قاله المرء بلسانه، واعتقده بجنانه، ورفعَ الأفكار السوداوية المتشائمة.

وأن على الإنسان أن يكرّس ذهنه وفكره لما يريد وما يحب أن يكون، وليس على ما يكره أو ما يحاذر ويخشى.

30 ديسمبر 2009

تغيير آرائي لا يعني تغيير منهجي...-د.سلمان العودة

 
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن تغيير آرائه لا يعني تغيير منهجه ، مشيرا إلى أن المنهج واحد لا يتغير ، بخلاف الآراء والمواقف واللغة ، والتي من الممكن أن تختلف من مرحلة إلى أخرى .
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة الثلاثاء من برنامج "حجر الزاوية"، والذي يبث على فضائية mbc، والتي جاءت تحت عنوان "الضمير " ـ إذا لم يكن المنهج هو القرآن والسنة والإيمان فلا أعرف ما هو المنهج إذاً ، فليس هناك تغيير في المنهج الذي أسير عليه ، فهو واحد لا يتغير ، وإنما الآراء والمواقف واللغة ربما تتغير في مرحلة من المراحل .
 
لا عصمة لاجتهاد
 
وأضاف فضيلته: أنه مع الوقت ، سواء بالنسبة لي أو كثيرين غيري ، فإذا كان الإنسان مضى في سبيله وصبر على طريقه وبحث عن الأفضل لا أعتقد عصمة لاجتهادي أو رأيي وإنما أعتقد أن هناك ما هو أفضل فأستفيد من الآخرين وأستفيد من باب أولى من تجربتي الخاصة .
جاء ذلك تعقيباً على مداخلة من أحد المشاركين في البرنامج ، عن الشيخ سلمان قد غير منهجه بالكامل ؟
 
وأوضح الدكتور العودة: لقد كانت في مرحلة من المراحل ، فربما يستيقظ ما يسمى بـ"الضمير الجمعي" على نفسه ، في بعض الأحيان ، بطريقة مفاجأة في ظل أزمات معينة ويتحدث بطريقة أو بأخرى .
 
الاحتكام للضمير ؟!!
 
وتعقيبا على مداخلة ، تقول : هل يجوز أن يحتكم الإنسان لضميره، قال الشيخ سلمان :إن احتكام الإنسان لضميره لا يكون في كل شيء ، فهناك شرع ، كتاب ، وسنة ، وإجماع ، كما أن هناك حلال بيّن و حرام بيّن ومشتبه ، لكن هناك أشياء المرجع فيها إلى الضمير .
وضرب فضيلته مثالا لذلك قائلا: سألني شخص في ذات مرة : هل يجوز مشاهدة نشرة الأخبار التي تذيعها امرأة ، فقلت له : استفت قلبك . قال لي : كيف ؟ قلت : إذا أنت تسمع الأخبار وترى هذه المرأة كما لو كنت ترى رجلاً -مثلاً- ملاكماً أو ترى جداراً فهذا عادي ، لكن إذا كنت ترى هذه المرأة وتستعذبها وتستحليها وتتلمح ملامحها وقسماتها وربما أخذتك عن الأخبار فهنا استفت قلبك ، فهذا دليل أنك تمارس إثماً حتى لو كان لا يوجد نص صريح بخصوصه لكن هنا قلبك يدل على أنه أنت هنا تقع في خطأ .
وأضاف فضيلته: فهنا الضمير يعطيك مؤشر ؛ ولذلك الضمير هو ي إنذار داخلي جرس ، فبعض الأخطاء التي لا يوجد عليها نص خاص أو دليل خاص ولكن تجد من داخلك شيء يقول لك : "اترك هذا الأمر" ، يقول تعالى (بَلِ الْإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:15) ، فمن الممكن أن يأتي الإنسان بأعذار ويقتنع ويقنع الآخرين لكن في داخله لا يستطيع أن يقنع نفسه .

فاجعة جدة تدعونا إلى تصحيح الأوضاع ... د. سلمان العودة

أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن "فاجعة" جدة تدعونا إلى تصحيح الأوضاع قبل أن تتكرر المأساة، مشيرًا إلى ضرورة محاسبة المسئولين عن حدوث هذه الكارثة الإنسانية، وأن يتم فتح ملفات الفساد بكل شفافية، لافتًا إلى أننا لا يمكن أن نقيم المشانق لأناسٍ دون أن نتأكد، ونحدد، ونحاكم.
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "أسرار" ـ: إنه لابد من أن يكون هناك شفافية ودقة كاملة في التعامل مع هذه الكارثة، وأن نباشر بإعلان الأرقام والإحصائيات وعدد المفقودين والوفيات بدقة، وأن يكون هناك مركز رسمي للقيام بمثل هذه الأمور، حتى لو لم ينشر الخصوم ـ أو من نقول عنهم أنهم أحيانًا يستغلون هذه الكوارث لأهداف إيديولوجية ـ هذه الأرقام والإحصائيات.
فساد..وخيانة
وأضاف فضيلته ـ تعقيبًا على مداخلة من أحد المشاركين في البرنامج، تقول: بعد كارثة جدة ألم يحن وقت الشفافية لفتح ملفات فساد؟!! ـ: إنه لاشك أن اللجنة التي تم الإعلان عنها برئاسة الأمير خالد الفيصل وتم تفريغها لمباشرة هذا العمل وفيها أيضًا وكيل الإمارة الدكتور عبد العزيز الخضيري ـ وهو رجل كفء، أحسبه والله حسيبه ـ، وعدد من المسئولين في دوائر عديدة، يمكنها أن تضع النقاط على الحروف خلال شهور معينة، فالقضية لا تزال حية في الأذهان، فضلًا عن أن هناك مطالبات بأن يتم تعميمها في أكثر من مكان وأكثر من مدينة لمعرفة أي تسيّب أو فساد مالي، أو بعض العقود التي يتم أحيانًا إرساؤها على شخص معين.
وتابع: لقد حدث مرة في إحدى المدن ـ ولا أسميها ـ أنه تم إرساء عقد على شركة أو شخص معين، فقام بوضع غرف تفتيش فقط دون أن يضع المجاري الموصلة بين هذه الغرف !، مؤكدًا أن هذه تعد خيانة كبيرة.
هل هذه عقوبة لأهل جدة!!
وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أن ما حدث لأهل جدة هو بسبب ذنوب أهل جدة ورسالة إنذار لهم، قال الشيخ سلمان: الناس مصابون، لماذا نجلدهم زيادة؟، ثم إن هذه المصيبة التي نزلت في جدة وقعت لضعفاء وبسطاء ومساكين وأحياء شعبية بعيدة عما يقولون، فهل تظنون أن من العدل أن يخطئ هذا ويُضرب جاره؟، هذا ليس من العدل، وعلى الخطباء أن يرفقوا ويعالجوا هذا الأمر بحكمة.
وأضاف فضيلته أن المطر في أصله رحمة بالعباد، ولكن الخطأ فينا، وفي عدم إيجاد الحلول وعدم توقع المفاجآت وحدوث مثل هذه الأشياء، وهذا الذي نحاسب عليه، ولذلك فمن الخطأ إطلاق هذا الكلام على عواهنه وكأن هذه عقوبة، لافتًا إلى أن هذا الكلام قيل عندما حدث زلزال العيص، موضحًا أن هذا قد يكون رحمة وتذكيرًا ودعوة إلى أن نصحح أوضاعنا قبل أن تكون الأمور أشد أو تتكرر المأساة في مكان آخر..
حدث مروِّع
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إننا كمجتمعات شرقية، وبالذات عربية، تمضي أحيانًا كوارثنا وهي مغطاة بالأسرار بطريقة أو بأخرى، والآن نحن نواجه كارثة فيضانات جدة، قال الشيخ سلمان: إن فاجعة مدينة جدة حدث إنساني مروع صنع خوفًا من المستقبل، وأحزانًا، وقصصًا مفزعة، كشفت أخطاء وزلات نقلت المتسبب من جريمة الاختلاس والسرقة إلى جريمة القتل وإزهاق الأرواح، مشيدًا بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين بتأسيس لجنة لمحاسبة ذوي الضمائر المريضة، وداعيًا إلى تعميمها في المناطق دون انتظار لتكرار الكارثة.
أيام صعبة
وأضاف فضيلته: لقد كانت أيامًا صعبة، ونحن نرى أعدادًا كبيرة وأسرًا بأكملها وحالات مثيرة للحزن الشديد، في ظل خوف على المستقبل، وأن تتشح العروس بثوب الحداد، مشيرًا إلى أن قطرات من المطر ربما لم تكن بمعدل مرتفع، وأن هناك الكثير من بلاد العالم ـ منها ما هو أكثر تأخرًا وأكثر في الإمكانيات المادية وفرص التنمية وتدعيم البنية التحتية من المملكة ـ يحدث فيها مثل هذا باستمرار، خاصةً في المدن الكبرى، مع أن المدن الصغرى في كثير من بلاد العالم تجدها صورة من المدينة الكبيرة، لكن بشكل أصغر وبشكل أقل، حيث تجد أن كل الخدمات متوفرة في المدن الصغرى كما هي في المدن الكبرى.
وتابع: لقد كانت المهمة صعبة جدًا، مع أنه لابد من البوح والحديث، وذلك لأن بعض المسئولين أحيانًا قد يشعرون بأن النقد لظاهرة معينة أو خطأ كأنه يستهدفهم شخصيًا، ولذلك يتردد الإنسان في نوعية أو حجم الكلام الذي يقوله، لأن هناك أمانة ومسئولية هي مسئولية الكلمة، وخاصة في مثل هذه الأزمات الصعبة.
تحدٍّ..وخوفٌ من المستقبل
وأردف الدكتور العودة: هناك أحزان على الماضي، وما جرى من حوادث وقصص مفجعة صورتها عدسات المصورين المحترفين وأقلام الكتّاب وربما قصائد الشعراء توقفت عندها عبارات الكثير من السياسيين تجاه هذا الحدث، فقد كان هناك الخوف، والذي بدوره صنع خوفًا من المستقبل أن يكون الكثير من البنى التحتية إذا تعرضت لاختبار ربما يتبين أن هناك خللًا كبيرًا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يشكل تحديًا ضخمًا أمام المملكة.
وأوضح فضيلته أن المجتمع السعودي واجه تحديًا ضخمًا في مواجهة الإرهاب، ولكن من خلال وجود تعاطف شعبي ضد هذا العمل، وتوجه إلى محاربته، فلم تمتد جذوره بشكل كبير، مع وجود معاناة صعبة ولا تزال، ولكن مع ذلك كان هناك مناعة عند الناس وإحساس بأن هذا هو تدمير لمكتسباتهم وللبنى التحتية في البلد، والقضاء على الفرص الحياتية الجميلة، فضلًا عن أنه لا يخدم دينًا ولا دنيا.
وتابع: لكن في مثل هذه الأحداث التي جرت، فإن خطورتها تكمن في أن الناس فيها لا يصبحون مع المسئول، وإنما هم في طرف آخر، بحيث يكونون في مقام المعاتبة والمحاسبة والسؤال، بل بعض الناس في مقام الغضب والانفعال ولا تستطيع أن تلومهم، لأن الإنسان إذا غضب فمن الصعب محاكمته إلى المنطق ولو على الأقل فيما يتعلق بالكلام.
شجاعة..وشفافية إعلامية
واستطرد الشيخ سلمان، قائلًا: ولكن نؤكد على أهمية التوجيهات التي صدرت من خادم الحرمين الشريفين فيما يتعلق بتعويض المتضررين، وتشكيل لجنة، والكلام الذي نُشر عنه في مسألة أن هناك بلادًا أقل منا ومع ذلك يقع فيها مثل هذه الأمطار ولا تقع فيها مثل هذه الكوارث، وأن نملك الشجاعة للاعتراف بالخطأ والتقصير، فهذا من الشفافية الإعلامية التي ننادي جميعًا بها.
وأكد فضيلته على أهمية أن يكون هناك قدر من الحرية الإعلامية في تناول مثل هذه الكوارث وهذه الأخطاء، والصبر على الناس، والإذن لهم أن يتحدثوا، لأن الناس إذا تحدثوا فإن ذلك لا يمثل مشكلة في واقع الأمر، ولكنهم يساهمون في التنفيس أو التخفيف أو حل المشكلة.
لافتًا إلى ضرورة أن يكون الإعلام، حتى الإعلام الرسمي، لديه القدرة على تغطية مثل هذه الأحداث، وذلك لأننا نعيش في عصر العولمة، حيث تنقل القنوات العالمية مثل هذه الأحداث، حتى كاميرا الجوال والوسائل الشخصية ربما تلتقط أفضل اللقطات وتنشر على اليوتيوب، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "الإعلام التفاعلي".
بيدي لا بيد عمرو
وتابع الدكتور العودة: إننا لابد أن نساعد على نشر الشفافية، ولكن مع وجود هذا العالم، فكما يقول المثل العربي: (بيدي لا بيد عمرو)، بأن نكون نحن قادرين على كشف أخطائنا وعثراتنا والاعتراف بزلاتنا وبعجزنا، وطرح التساؤلات حول الأموال التي تم الإعلان عنها لتنفيذ مشاريع في جدة في عدة سنوات ومليارات، فأين ذهبت تلك المليارات التي خصصت لمثل هذه المشاريع؟ مشيرًا إلى أن المهمة لم تعد صعبة بعد ما أعلنه الملك عبد الله.
وأكد فضيلته أنه مع تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الكارثة، فإنه لابد من وجود حلول عاجلة لبحيرة المسك التي يخشى أن تفيض وألا يتخذ تغليب السلامة عادة، وأن تكون هناك مباشرة فورية لمعالجة أزمة التصريف في جدة التي يعاني منها أهل جدة منذ سنين طويلة، ولكن لا يستمع إليهم، وكذلك ما يتعلق بالمياه العذبة التي يحتاجون إليها وما يتعلق بعدد من البُنى التحتية.
وقال الشيخ سلمان: إن الأمر يجب أن يشمل أيضًا مدنًا أخرى غير جدة، بحيث لا يحوجنا الأمر إلى وقوع كارثة أو أزمة حتى نلتفت إلى هذا البلد أو ذاك، ولكن علينا أن نحوّل الأزمة إلى منحة؛ بأن نقوم بعمل فحص للأوضاع المختلفة في كل البلاد، لافتًا إلى ضرورة أن يكون هذا في إطار من العمل الفوري والحسم.
محاسبة المقصرين
وأضاف فضيلته أنه لابد أن تكون هناك مدة لنهاية عمل اللجنة، وألا يقتصر الأمر على عزل موظف، ولكن يجب محاسبة جميع المسئولين عن هذه الكارثة، مشيدًا بما تم تداوله حول منع عدد من المسئولين الذين يحتمل أن يكون لهم علاقة بالكارثة من السفر لحين انتهاء التحقيقات.
وأشار الدكتور العودة إلى ضرورة أن تكون هناك فرصة لمحاسبة ذوي الضمائر المريضة في أكثر من مكان، والذين آخر ما يفكرون به هو مصالح الناس، في حين أن تركيزهم كله ينصب على كمّ من المال داخل جيوبهم، وكمّ في أرصدتهم، معربًا عن رغبته في عدم وجود هذه الفئات في مجتمعاتنا، مضيفًا: لكن مثل هذه الأحداث تؤكد أنها مع الأسف موجودة.
أخطاء..ولكن
وأوضح الشيخ سلمان أن هناك بعضًا من الأخطاء التي يجب ألا نقع فيها عند معالجة مثل هذه الكارثة، منها:
1 ـ لوم الضحية: فمن المروءة والذوق ألا نلوم الضحية، وألا نلقي عليه بالتبعة، ونقول إنه أهمل أو فرط، وأن نحمله المسئولية عن الذي حدث.
2 ـ الاحتجاج بالقضاء والقدر: وهذه تتكرر، فالقضاء والقدر حق، ولكن في هذه الكوارث لا ينبغي أن يكون القضاء والقدر مهربًا عن محاسبة المقصرين، مؤكدًا أن محاسبة المقصرين شريعة ربانية جوهرية.
3 ـ البعد عن الواقعية: فلابد أن نحرص على أن يتعامل الناس مع الحدث بقدر من الواقعية، وإن كنا لا نلوم الناس إذا حدث عندهم غضب وانفعال.
لا فرق بين ميت وميت
وفيما يتعلق بالذين ماتوا جراء هذه الكارثة، وهل هم شهداء أم لا، وما موقف الذين هم غير سعوديين، قال الشيخ سلمان: لا اعتراض في القتلى، وهم شهداء إن شاء الله، لأن الغريق شهيد كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، سواء من كان منهم سعوديًا أو غير سعودي، لكن يجب أن نؤكد أنه لا داعي للتركيز المفرط على هذا الأمر وكأننا نفرض العنصرية حتى في حالة الوفيات، فالذين يقيمون على ثرى هذه البلاد لهم حقوق أهلها، والحفاظ عليهم مهم جدًا كالحفاظ على أبناء البلد.
وأضاف فضيلته: إن الإعلان عن هذا أمر طبيعي، لكن يجب عدم التركيز على هذا في المقالات والأحاديث وكأن هناك تفريقًا بين ميت وميت.
الدعم مطلوب
وأكد الدكتور العودة على ضرورة أن ندعم إخواننا المتضررين، مشيرًا إلى أن هذا البلد فيه خير كثير، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية، وذلك إذا كان هناك شفافية في ضبط المال ومحاربة الفساد ووضع الأمور في مواضعها.