25 ديسمبر 2009

شرر الإبادة في غزة

بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي في الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ 133
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين 134َ

سلسلة مقالات بعنوان
من شرر الإبادة في غزة
للكاتب الدكتور محمد الأحمدي
منقوله من موقع مجلة العصر

من شرر الإبادة في غزة (1) عن موقف المنافقين من الإرهاب الأفظع من سبتمبر
 
نعلم أن الخيانة موجودة في كل الأمم في وقت السلم، وتشتد في الحرب، ولكن في زمننا هذا الذي ذل فيه العرب وضعف المسلمون، أصبح صوت الخيانة هو الأعلى، والأغنى، ويبشر بخذلان العرب، وبخنوعهم للإرهاب الصهيوني ويتمنى أو يبشر بمستقبل لا تقوم فيه للمقاومة أي قائمة، يبدو أن هذه الإبادة الصهيونية للفلسطينيين رمت وسترمي وتكشف بشررها مواقع أبعد من الأشرار المشعلين إلى المنافقين والمتفرجين والمؤيدين.
عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا بالإرهاب الصهيوني منذ عام 2000 إلى الآن يقارب ستة آلاف شهيد، وعدد الجرحى يزيد عن عشرة آلاف، وعدد المساجين أكثر من أحد عشر ألفا، منهم رئيس البرلمان الفلسطيني وعدد من الوزراء والبرلمانيين في الحكومة الشرعية المنتخبة.

فعدد هؤلاء الضحايا يزيد عن ضعف ضحايا سبتمبر 11، ولكن بما أن الضحايا عرب مسلمون، فإنهم لا يساوون في أعين الإرهابيين المسيحيين والصهاينة شيئا، وليسوا بشرا، وهذا يجعل من الضروري الخلاص من الإرهاب الإعلامي والسياسي المرافق للإرهاب العسكري الصهيوني المسيحي، الذي يحرم إطلاق الأسماء الحقيقة على هذه الأعمال، وقد كان خطاب الإرهاب المسيحي اليهودي صريحا في طلب استمرار الإبادة للضعفاء والأطفال والنساء العزّل، قال أولمرت: "إني أستمد الكثير من التشجيع من موقف الرئيس الأمريكي (جورج) بوش الذي أبلغني بأن علينا أن نضمن توقف حماس عن إطلاق الصواريخ، ليس ذلك فحسب بل أن نضمن كذلك أنها لن تتمكن من استئناف ذلك في المستقبل" الحياة، 5\1\2009م.

قبل هذا بأيام وجه بوش إهانته باحتقار للعرب الذين طالبوه بإيقاف المذبحة، لأنه يراهم مجرد أتباع بلا قيمة، ولأنه يتحرك بأحقاد دينية عميقة على المسلمين غير مسبوقة إلا في زمن الحروب الصليبية، كما يحب أن يجددها، وهو من المسيحيين الذين يفكرون باسترداد أراضي المسيحية من المسلمين في الشام وشمال إفريقيا، كما نقلت مجلة نيوزويك في تغطية خاصة عن عقيدته الدينية والحربية.

هكذا تحدثت أيضا تشيكيا ممثلة لموقف الاتحاد الأوربي بأن الإبادة للفلسطينيين مجرد "دفاع عن النفس"، تماما كما كانت حجة الذين فجروا في نيويورك في سبتمبر 11، فالحجة نفسها، ولكن الفرق أن القتل أقل ولكنه وقع في الأقوياء المتسلطين فكان فظيعا، أما إبادة مليون عراقي وإبادة نحو ستة آلاف فلسطيني، والإبادة المستمرة في افغانستان والصومال فليس إرهابا، بل يطالب بوش بمزيد من الإبادة، ثم لا يسمح للعرب بالكلام الصريح، ولا يسمح بتسمية الإرهاب الصهيوني إرهابا. ولا يجرؤ عربي رسمي على قول ذلك!

لندع هذا ولنقرأ بعض مواقف المنافقين وخطابهم المؤيد للإرهاب الصهيوني المسيحي، والنفاق وجوه منها أن يظهر المنافق الإسلام ويبطن الكفر، وأن يركن لليهود ويتولاهم ويشي بالمسلمين ويخونهم، ويخذلهم، ويسرّ حربهم، فإن المنافقين العرب روّجوا أن الفلسطينيين يمثلون موقف إيران وليس موقف فلسطين، وعابوهم بأنهم يريدون إمارة إسلامية! فهم يودون جوار دولة يهودية!

وهذه المنهجية القذرة المنافقة لتشويه الحرب الإسلامية الصهيونية، والزعم بأن الإيرانيين هم من يدفع بحماس لمواجهة الإرهاب الصهيوني، وكأن المواجهات المستمرة منذ أكثر من ستين عاما كانت بسبب إيران، هذا سر اكتشف هويته عباقرة النفاق العربي المعاصر، وأصبحت فلسطين إيرانية! وهذا الخطاب النفاقي يريد التخذيل واستسلام الفلسطينيين للإرهاب، وتشويه كل فلسطيني حرّ مقاوم شريف، ثم أمر آخر وهو وما هو العيب أن يتسلم الجائع طعاما من متبرع مسلم، أو سلاحا من مؤيد وهم في حال حرب يقيه الذبح؟ فإذا كان الجيران العرب غلبهم المنافقون على أنفسهم، واستولوا على الموقف في بلادهم فحاصروا الفلسطينيين وأجاعوهم، وشوّهوهم، وحاربوهم فكيف يلوم أسيرا سجينا خائفا أن يرد يدا تمتد بالعون، أو يقدمها على يد الخيانة، هذا ببلد يرسل الوقود للصهاينة بثمن بخس دون سعر السوق، وينسق الحرب مع الصهاينة، ويرى ان الحرب على الإسلام في غزة طرف من الحرب على الإسلام في بلده، وعلى الإخوان في الداخل، وبادرت حكومة بسجن عشرين من الاخوان لأنهم تظاهروا ضد الإرهاب، أو لأنهم حركوا المظاهرات.

مراسل العربية في الساعات الأولى للهجوم الإرهابي البري مساء 3\1\2009م، ذكر للمذيع إن الجيش الإسرائيلي المهاجم يحمل مساعدات للفلسطينيين!! لا أدري هل اعتذرت العربية عن هذه الدعاية القذرة الكاذبة التي لم يجرؤ حتى الصهاينة على صناعتها؟ أرجو أن يكونوا كذبّوا هذه الدعاية.

صحيح إن الأمريكيين في لحظات الإبادة للعراقيين قد أخرجوا صورا نشرتها جرائد عربية وغيرها مكبّرة على الصفحات الأولى لجنود أمريكيين يوزّعون حلوى على أطفال تقول الجريدة إنهم عراقيون، فربما وجد الجند وقتا للدعاية بين ساعات الإبادة للعراقيين أو لعلها كانت أفلاما أعدت للتزيين في استوديوهات دعائية خارج العراق!

بلير رئيس وزراء بريطانيا ـ الذي اعترف بعد ذهابه بأن دافعه للحرب على العراق كانت دوافع دينية ـ احتج قبل غزو العراق على الإعلام الأمريكي بأنه لا يعرض بكثافة ولا يكرر صور أحداث سبتمبر للأمريكيين، لأن رؤيتهم للصور تجهزهم دائما للحرب على المسلمين، ولهذا تجد أن الإعلام الصهيوني في إسرائيل وأمريكا وأتباعه لا يعرضون المجازر الفلسطينية على الناس حتى لا يتحرك ضمير حي لمنع الإرهاب الصهيوني، ولئلا يغضب قريب، ولا يستفز بعيد! ويجد المنافقون لخيانتهم سببا كاذبا دائما، فيصرفون الرحماء في العالم من التعاطف عند رؤية صور الإبادة.

رئيس "الشين بيت" المباحث الإسرائيلية قال: "إنه تلقى اتصالات هاتفية من قلب غزة تشكره على عمليات الجيش الإسرائيلي ضد حماس"، وقال مناحيم كلاين من جامعة بار إيلان: "لا يجوز الاعتماد على هذه الأمور، فقد استقبلنا بعض اللبنانيين بالأرزّ عام 1982، ولكن المقاومة لم تلبث أن تفجرت، وأجبرتنا على الخروج"، (أنظر مقال حياة الحويك، الخليج، 7 محرم 1430هـ 4\1\2009).

ومن مظاهر النفاق، اللغة الإعلامية التي صاغها الصهاينة للعرب، فالمنافقون سرّهم أن يلتقطوا تسميات الصهاينة، ويرددوها من مثل: إن هذه الحرب ليست مع الفلسطينيين إنها فقط مع منظمة إرهابية هي "حماس" نص كلام أولمرت يقول: "إسرائيل لا تقاتل الشعب الفلسطيني في غزة إنهم ليسوا أعداءنا بل هم ضحايا القمع العنيف والدموي الذي تمارسه منظمات إرهابية.. لن نسمح بحدوث كارثة إنسانية في قطاع غزة وسنساعد في تزويد الأغذية والدواء مثلما ينبغي على دولة متنورة وأخلاقية أن تتصرف"، الحياة 5\1\2009.

فهل نعذر مراسل العربية فقد بالغ قليلا جدا عندما توهم أنه قال إن الأغذية مع القاذفات والدبابات! ولكن المراسل كذب قبل كذبة أولمرت بيوم! فأيهم أخذ من الآخر، وتبقى فرية أولمرت أذكى بكثير!

صحفيون عرب أصبحوا تلاميذ للكذّاب الإرهابي الواعظ حرفا بحرف، بل ويكذبون له زيادة! ما أقصر هذه الذاكرة النفاقية السخيفة جدا، يبيد ستة آلاف منهم 550 في عشرة أيام وجرحى ثلاثة آلاف، ويقول هذه ليست كارثة إنسانية!!

نعم ليست حربا بل إبادة نازية للأطفال والنساء والشيوخ لا تختلف عن نازية هتلر، والعدد اليومي لا يختلف كثيرا عن محرقة هتلر، ويبقى الإرهابي المسيحي الصهيوني مقدسا عالميا، ومرحبا به، تماما كما كان الإرهاب النازي في أول أيامه لأنه لا أحد كان قادرا على نقد هتلر، وهذا وجه كاد أن يعود إلينا من التاريخ!!

أفلم يكن هناك حرب على العرب في لبنان منذ عامين فقط؟ أم أن التصنيف الصهيوني غلب على الببغاوات؟ فسموها حربا إيرانية إسرائيلية؟ واليوم أيضا غزة فهل هي جبهة إيرانية؟ أو "حمساوية" وجنين من قبل ماذا؟ إلى أن تعودوا إلى أعوام 1936 و1947-48 و56، و67، و73، و82، وهكذا، كلها لم تكن ضد العرب ولا المسلمين ولا الفلسطينيين!

إنهم يصفوننا دائما وأبدا بأننا مجرد عصابات إرهابية وجيوب صغيرة، وحركات إيرانية ومن قبل شيوعية، ومن قبلها بعثية، ومن قبل ناصرية، ثم فتحاوية ثم حمساوية!! إذ يصر المنافقون على الترديد ببغائية المصطلحات الصهيونية الإرهابية ذاتها، فالإرهاب الصهيوني يبيدنا منذ ستين عاما تحت أسماء مختلفة، يخترعونها لنا وينشرونها ثم يرددها منافقون منّا لتصبح هي اللغة المقبولة، ولينتصر سادتهم، فلا يبقون لأهل الحق إلا الأوصاف الممتهنة والجزئية الموحية بالخروج على الإجماع، ونشر التشويه وأماني الهزيمة!

إن الإرهاب الصهيوني بأقلام وإعلام منافق يقتل العقل والذاكرة والحمية ويستبيح كل شيء، ويجد مروّجين بكل وقاحة واستمرار غريب ومتجدد.

نعلم أن الخيانة موجودة في كل الأمم في وقت السلم وتشتد في الحرب، ولكن في زمننا هذا الذي ذل فيه العرب وضعف المسلمون، أصبح صوت الخيانة هو الأعلى، والأغنى، ويبشر بخذلان العرب، وبخنوعهم للإرهاب الصهيوني ويتمنى أو يبشر بمستقبل لا تقوم فيه للمقاومة أي قائمة، يبدو أن هذه الإبادة الصهيونية للفلسطينيين رمت وسترمي وتكشف بشررها مواقع أبعد من الأشرار المشعلين إلى المنافقين والمتفرجين والمؤيدين.
 

ليست هناك تعليقات: