22 يناير 2010

خطاب لن يلقيه مبارك

 أيها المواطنون..
في حين يُقبل العالم على عام ميلادي جديد، ويودِّع عامًا شهد أحداثًا جسامًا؛ فإن الأمل يحدونا أن تشهد بلادُنا في مقتبل الأيام والشهور ما تصبو إليه من سلامٍ ورخاءٍ ورفعةٍ؛ إلا أن الرياحَ التي هبَّت علينا خلال الأيام الأخيرة أضعفت كثيرًا من ذلك الأمل؛ على نحوٍ أعاد إلى الأذهان صفحة الصراع الدامي والخصومة المريرة، التي ظننَّا أنها في سبيلها إلى الزوال، بعد الجهد الكبير الذي بذلناه لإحلال السلام وإعادة الثقة ومدِّ جسور الفهم والتفاهم في المنطقة؛ إذ تعلمون أننا ظللنا طوال الوقت نلوِّح باليد الممدودة، ونعبِّر عن حسن النوايا.


الأمر الذي دفعنا إلى توقيع الاتفاقيات وتصديق الوعود تلو الوعود؛ التي كان من أحدثها ذلك الوعد بإقامة الدولة الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي، وهو ما دفعنا إلى الصبر وتمرير الكثير من الهنَّات والأخطاء في سبيل المراهنة على إنجاز ذلك الوعد؛ غير أن ما حدث بعد ذلك لم يكن في الحسبان، فقد تم التأجيل والتسويف، حتى بلغنا أواخر العام ولم تقُم للدولة المرجوَّة قائمة، ليس ذلك فحسب، وإنما فوجئنا بما هو أسوأ بكثير؛ ذلك أن وعد الدولة تبخَّر، وبدلاً منه نزلت بأهلنا في غزة نازلةٌ أغرقت القطاع في بحرٍ من الترويع والدماء والأشلاء؛ حتى أصبحت هدية نهاية العام للفلسطينيين مذبحة لا دولة، وإزاء هذه الصدمة فإن مصر التي تعرفونها ما كان لها أن تقف متفرجةً أو تلتزم الصمت.

لقد اخترتُ هذه المناسبة لكي أصارحَكم بحقيقة مشاعري، وأنتهزها فرصةً كي أصحِّح في الأذهان بعض الأمور الملتبسة؛ التي فتحت الأبواب للَّغط وسوء الفهم بل وسوء الظن بمصر وسياستها وقيادتها.. لقد ظن البعض أن السلام الذي اختارته مصر كان استسلامًا، وذلك خطأٌ محضٌ، وتصوَّر آخرون أن صبرنا ناشئٌ عن الضعف وقلة الحيلة، وليس عن الثقة وطول البال، وسمعنا كلامًا كثيرًا عن خروج مصر عن الصفِّ العربيِّ وتخلِّيها عن دورها التاريخي في قيادة هذه الأمة، ولم نَشَأ في حينه أن نردَّ على هذا الكلام، حتى لا يظن أحدٌ أننا في موقف الدفاع، أو أن دور مصر موضوعٌ للمساومة أو محلٌّ للاجتهاد، وأنا هنا أقول بوضوح: إن مصر التي هي ذاتها التي حاربت ستظلُّ ضمير هذه الأمة.

ولأن مصر تعرف قدرَها وتدرك مسئولياتها؛ فإن ما جرى في الأرض المحتلة كان ينبغي أن يكون له عندها وقْعٌ آخر؛ فليست مصر التي ترى الدمَ الفلسطينيَّ ينزف ثم تقف صامتةً أو متفرجةً، وليست هي التي ترى أسراب الطائرات النفاثة تقصف القطاعَ ولا تنتفض؛ تضامنًا مع الشعب الفلسطيني البطل وغيرةً على كرامة الأمة وشعوبها، وليست مصر هي التي ترى المقاومة الباسلة تضرب ولا تهبّ للذَّود عنها، وليست هي التي تسمع أصوات التهديد والوعيد تصدر من تل أبيب فتتراجع وتستسلم للخوف؛ لكنَّ مصر التي تعرفونها تستقبل كل ذلك بثقة وثبات، وتعرف أن عليها أن تردَّ في التوقيت الذي تحدِّده، وبالأسلوب الذي تقتنع بجدواه.


* جريدة (الرؤية الكويتية).

ليست هناك تعليقات: