11 يناير 2010

الجواميس وخيبة الأسود

الجواميس وخيبة الأسود ..
كنت أتابع المشهد , دون تعاطف مع المفترس أو الفريسة . فالمنظر يتكرر كثيرا , حين يتعلق الأمر بالحيوانات البرية والبشرية .

مجموعة أسود تهاجم عجل جاموس , ونتيجة المطاردة يسقط العجل وبعض الأسود في البحيرة..فتقرر الأسود أن تسحب الطريدة إلى البر . لكنها تجد صعوبة في ذلك .وما هي إلا لحظات حتى تكشف لنا الكاميرا , حقيقة ما يحدث . إذ كان تمساحا يجر العجل من ساقه باتجاه الماء . لكن مجموعة الأسود تغلبت على التمساح , فسحبت العجل بعيدا عن الشاطيء .

ما زال صراخ العجل قويا واضحا , والأسود تكافح لوضع حد لمقاومته , والفتك به . لكن قطيعا هائلا من الجاموس يظهر بغتة .

يتقدم أحدها نحو مجموعة الأسود , ويسدد لأحدها ضربة بقرنيه ترفعه عدة أمتار وتلقي به بعيدا . ثم تكثّف الجواميس هجومها , مما يؤدي إلى هرب الأسود , بينما ينهض العجل ويندمج بالقطيع دون أن تبدو عليه آثار إصابات .

***************

ترك المشهد في نفسي انفعالات كثيرة وردود فعل متباينة .

كيف لم يصب العجل بأذى ؟ وكيف هربت الأسود . وانتصر الجاموس ؟ بل كيف قرر الجاموس أن يهاجم الأسد ؟

أليس من الأجدر بالجاموس أن يكون أكثرحكمة وتعقلا ؟ وأن يجرب طرقا أكثر تحضرا في التعامل مع الموقف ؟ وأن يعاين عاقبة الأمور ؟
اليس من الأوجب عليهم عقد مؤتمر قمة ليتدارسو الأمر وينسقوا المواقف حتى تكون على مستوى الحدث؟؟! لم هذا التسرع والاستعجال ؟؟ كان من الممكن أن تهاجم الأسود القطيع , وأن توقع فيه إصابات جسيمة . أليس من الحكمة أن تضحي الجواميس بعجل وتختصر الطريق ؟

أغلب ظني أن الجواميس لا تتصف بالحصافة والذكاء .وما زال عقلها مظلما ضيقا . ولو أتيح لها أن تمتلك ما لنا من حنكة ودهاء وألمعية . لقررت أن تفاوض الأسود , وأن تتصرف بقاعدة أكلت يوم أكل الثور الأبيض . وليس بقاعدة :
رفع الخمر واليوم أمر .

ألم تعلم الجواميس أن الأسد ملك الغاب ؟ وأنها عانت من فتكه وجبروته بما يردعها أن تقدم على حماقة كهذه . لكن عاطفتها ربما تغلبت على عقلها .
كان الأجدر بها أن تستعين بعقل عربي حصيف , يبين لها المخاطر , ويبصرها بعواقب الأمور ؟

كم من عجول سقطت في حظيرتنا العربية ؟ وكم من صراخ تعالى ؟ وكم من رمز دنس واستبيح وانتهك ؟
لكن العقل العربي كان من الوعي والحكمة , ما يجعله يتبصر عاقبة الأمور . فيجنح إلى السلم والتفاوض والحنكة والسياسة والدهاء . ويكبح نار عاطفته , واضطراب انفعالاته , ويتصرف سلوكا سويا يثير الإعجاب .

كم من العجول ينبغي أن نقدم كي ندرك أن الأسود لا تفرق بين عجل وآخر ؟ وجاموس وآخر ؟
وأنّا نهاية المطاف كلنا جواميس .

هل من جاموس ينبئنا أن المسافة بين الأقصى والكعبة ليست أبعد من المسافة بين غرناطة وفلسطين؟ وأن صرخة في غزة ليست بمعزل عن صرخة قد تنطلق بغتة في الصعيد أو الخليج أو مراكش ..؟

لا أنكر أن للأسد هيبة . ولنا خشية . وعقلا عربيا حصيفا .

قد تكون الاسود أكثر قوة وفتكا . لكن الجواميس حين تتكاتف من المحيط إلى الخليج . لا يعلم سوى الله ماذا يمكن أن تفعل ...

"فهل من مدكر"

ليست هناك تعليقات: