مصر فوق الجميع
قبل البدء لابد من تحديد نقاط هامة وأساسية:
· لا يوجد عربي واحد بشكل عام، أو فلسطيني بشكل خاص، يكره مصر أو شعبها، وان وُجد فهو إما حاقد أو جاهل، أو لا ينتمي للأمة العربية.
· الجميع دون استثناء يحب مصر ويحرص على أمنها وأرضها وتاريخها، والاستثناء الوحيد هنا هو النظام الحاكم الذي يشوه صورة مصر الحبيبة.
· هناك معضلة حقيقية سنحاول تناولها هنا، وهي غضب المصري البسيط والمطحون من قبل نظامه، غضبه كلما تكلمنا عن أفعال هذا النظام السوداء، رغم أن هذا المواطن هو أول المتضررين.
· لسنا بصدد التدخل بالشأن السياسي الداخلي المصري، لكن يحق لنا حين يُشهر هذا النظام كل أسلحته لذبح شعبنا الفلسطيني أن نواجهه ونكشفه ونعريه.
· لقد تجاوز النظام المصري كل حدود العقل والمنطق في انحيازه التام للاحتلال وأوامره، وأصبحت خارجيته عبارة عن "صوت اسرائيل" في مصر.
· لن تنجح محاولات التشكيك والطعن، وتكرار اسطوانة أننا نشتم مصر وتاريخها، لن تنجح ولن تمنعنا من تناول كل ما يروج له النظام المصري تحت شعارات الوطنية الزائفة، أو مبررات الأمن القومي والسيادة الزائفين ايضاً، وسنفند كل هذه الادعاءات واحدة تلو الأخرى.
عودة لعنواننا، مصر فوق الجميع، شعار جديد يطل عليك أينما ذهبت في القاهرة، على لوحات الاعلانات، وفي الفضائيات، وفي الصحف، شعار يروّج له بقوة لفرض المزيد من العزلة على مصر وتاريخها وشعبها، شعار رفعه قبل ذلك هتلر ليقود ألمانيا إلى كارثة حقيقية، نراها اليوم تطل برأسها على مصر العظيمة بشعبها، المهانة بنظامها.
مصر فوق الجميع يقول عنه الصحفي المصري ابراهيم عيسى في مقال له "السؤال الواجب هنا هو أي جميع؟ من هم الجميع الذين مصر تقف أو تجلس فوقهم؟ هل جميع المصريين؟ أم جميع البشر؟ أم جميع الدول؟
الغريب أن دولتين فقط من بين كل دول العالم رفعتا هذا الشعار، الأولي هي ألمانيا النازية، وشعارها ألمانيا فوق الجميع، ألمانيا أدولف هتلر العنصرية العدوانية وكان هذا بشكل رسمي ولفترة مؤقتة (سوداء علي العالم كله)، والثانية التي هي مصر بشكل غير رسمي وفي عهد الرئيس مبارك حيث تتجرأ بعض قيادات الحزب الوطني وببغاوات الإعلام ودببة الفضائيات ويكررون شعار مصر فوق الجميع دون وعي بنازيته وعنصريته وربما دون وعي بمعناه ومغزاه أصلا؟
هذا الشعار عنصري رفعته دولة في فترة عنصرية آمنت فيه فئة مهووسة في مرحلة متطرفة وفي أجواء ديكتاتورية بأن الألمان جنس مختلف ومتميز عن العالم كله، وأن الجنس الألماني نبيل متفوق علي غيره من الأجناس والتي هي أجناس أدني أو قذرة تستحق إفناءها أو قتلها والتخلص منها،
أي المقصود والمفهوم من ألمانيا فوق الجميع أنها أعلي وأهم من الشعوب الأخري وأكثر رقيا وتفوقا بحكم الجينات والهرمونات، وأن الألمان يستحقون وفق هذا الإيمان أن يحكموا ويتحكموا في العالم وأن تكون الأجناس الأخري مجرد عبيد وأرقاء وأقنانا عند الجنس الألماني اللي فوق بينما الجميع تحت!!
من إذن أدخل هذا الشعار المجنون إلي بلدنا وجعل حمقي أحيانا ومخلصين جهلة أحيانا أخري وسياسيين متحمسين حينا يرددون هذا الهوس الخرف دون فهم ودون تفكير؟
ثم ماذا يعني هذا الشعار الأخرق؟ هل يعني أن مصر فوق بقية الدول؟ النبي تتلهي!!
فمصر التي تحتل المركز الأخير بين دول العالم في سوق كفاءة العمل، والتي تقبع في المركز 111 بين دول العالم من حيث النزاهة والشفافية، والتي لا تزرع قمحها وتستورد رغيف عيشها، والتي لا تشكل أي صناعة فيها أي أهمية في العالم، والتي لا تمثل أي تجارة لديها أي أهمية في العالم والتي لا تظهر في قائمة الدول العشرين الأكثر تصديرا في العالم ولا قائمة المائة، والتي لا تضم جامعة واحدة ضمن أهم خمسمائة جامعة في العالم والتي والذي والذين، هل يمكن أن يصدق أي مهفوف أنها فوق الجميع!"
لكن لماذا نقلب المواجع، ونتناول موضوعاً قد يظن البعض أنه لا علاقة لنا به من قريب أو بعيد، السبب هو وببساطة شديد فجور هذا النظام، وتسخيره لكل أدواته الاعلامية والصحفية وغيرها لمهاجمة الشعب الفلسطيني وقواه الحية، وحملة الأكاذيب الرسمية التي تستغل مثل هكذا شعارات لتهييج وتحشيد الناس والجماهير ضد قطاع غزة تحديداً، في محاولة بائسة يائسة لتبرير مواقفه الغارقة في أحضان الاحتلال.
مرة أخرى لسنا بصدد التدخل في الشأن الداخلي المصري، لكن ألا يحق لنا أن نستخدم ذات الطريقة، لكن دون أكاذيبهم وخزعبلاتهم؟
حتى لا نتهم ب"شتم" مصر كما هي العادة، سنراجع بعضاً من تدخل هذا النظام في الشأن الفلسطيني وبشكل فاضح سافر، ليته كان لخدمة قضيتنان لكن لتركيع شعبنا:
1. كلما اشتد الضغط على الاحتلال، بادر النظام المصري لعقد القمم في شرم الشيخ، لماذا؟ لمواجهة الارهاب! والمقصود بالارهاب دائماً هو المقاومة الفلسطينية – ترى كم مؤتمر فلسطيني عُقد مع أعداء مصر ضدها وللتآمر عليها؟.
2. شنت وتشن وسائل الاعلام المصرية حرباً مفتوحة على الشعب الفلسطيني عموماً، وأهلنا في غزة تحديداً، ويكفي مراجعة برامج القنوات المصرية لنعرف حجم جرعة الكراهية، وبالمناسبة فإننا نملك توثيقاً لتلك البرامج بالصوت والصورة – هل يستطيع أياً من أزلام النظام أن يثبت تهجم وسيلة اعلام فلسطينية على أي شيء في مصر حتى ولو كان مواقف هذا النظام المسيئة؟
3. يحاول النظام المصري وبشكل حثيث الحصول على أي معلومة حول الجندي الأسير شاليط، ولهذا الغرض تستجوب أجهزة القمع المصرية المرضى والطلاب الفلسطينيين في مصر.
4. دعم النظام المصري وبشكل مباشر عصابات دحلان في قطاع غزة، وأدخلت لهم الأسلحة والمعدات، وقامت بتدريبهم، وهو الأمر الذي أقر به أزلام هذا النظام وعلى شاشات التلفاز.
5. احتضنت مصر وما زالت العصابات الهاربة من قطاع غزة بعد تطهير القطاع صيف عام 2007، وجهزتهم للانقضاض على القطاع ابان العدوان الغاشم نهاية العام الماضي – راجعوا صحيفة نيويورك تايمز في هذا الشأن.
6. يصر النظام المصري على خنق قطاع غزة عبر اغلاق المعبر العربي الوحيد على العالم الخارجي – معبر رفح – متذرعاً بحجج واهية لنا عودة لها.
7. يتعامل النظام المصري بفوقية زائفة عبر محاولاته المتكررة لفرض تسوية مزاجية تصب في صالح معسكر العملاء في فلسطين، وعلى طريقة وقعوا أو نعاقبكم كما نقلت التقارير عن عمر سليمان – طبعاً لأن مصر فوق الجميع.
8. تمنع السلطات المصرية قوافل الاغاثة من دخول غزة، ووصلت حد الاعتداء على النشطاء والمتضامنين كما حدث يوم الخميس 31/12/2009 في ميدان التحرير في القاهرة، طبعاً بعد أن وصفهم أحمد أبو الغيط بأنهم متآمرون على مصر – هكذا أصبح آلاف الأجانب من 50 دولة تنظيم ارهابي عالمي يتآمر على مصر فقط لأنهم أرادوا الوصول والتضامن مع غزة.
9. تعتقل السلطات المصرية كل مصري يدخل إلى قطاع غزة، وتُجرّم كل من يحاول دعم الفلسطينيين في غزة، بل وتسجن من يقوم بذلك – المناضل المصري مجدي حسين واتحاد الأطباء العرب مثالاً.
10. وفي الشأن السياسي المباشر يتدخل النظام المصري في الشأن الفلسطيني بشكل وقح وسافر، ويقرر من هو الشرعي ومن هو غير الشرعي، بل وصلت الوقاحة حد ابقاء رئيس الوزراء الفلسطيني الشرعي والرسمي على رصيف المعبر – معبر رفح ارضاء للاحتلال وعملائه – الصورة موجودة في كل مكان لمن يُشكك.
11. اعلان الحرب على غزة كان من القاهرة وفي مؤتمر صحفي مشترك بين أبو الغيط وليفني وبتاريخ 25/12/2009، ولم يحرك أبو الغيط ساكناً ولم يعترض.
12. حتى اللحظة يتم استقبال قادة الاحتلال في القاهرة ومن قبل أركان النظام المصري، حتى اولئك الذين يتهجمون على مصر بحجة أن "اسرائيل" تختار قادتها، ويرفض النظام اللقاء مع قادة الشعب الفلسطيني المنتخبين والشرعيين.
13. يُحرك النظام المصري مشايخ السطان وعلى رأسهم طنطاوي للقاء قادة الاحتلال واصدار الفتواى الجاهزة والمعلبة دهماً له وضد غزة – راجعوا فتواهم حول الجدار الفولاذي وبأنه واجب شرعي، وهو ما خالف اجماع العلماء بمن فيهم علماء الأزهرعلى حرمته.
هذا غيض من فيض والقائمة تطول ولا حصر لها، والخلاصة أن من يتدخل في شؤون الآخر، ومن يعتدي سياسياً عليه، بل يتآمر عليه هو النظام المصري على قضية شعبنا الفلسطيني لا العكس.
ومع كل ذلك لم يتحدث أحد أن "المصريين" يشتمون الشعب الفلسطيني، أو أن "مصر" هي خطر على أمننا "القومي"، وغيرها من الاسطوانات المشروخة.
ومع كل ذلك أيضاً تتمسك القوى السياسية الفلسطينية وعلى مختلف توجهاتها بالدور المصري المزعوم، وهو ما لا نتفق معه اطلاقاً، لأن الدور المصري ليس دور الشقيق المحايد الوسيط، لكنه دور من يُنفذ أجندة المحتل، إنها ديكتاتورية الجغرافيا، ونقولها بصراحة، لو لم تكن الجغرافيا تعني تحكم هذا النظام بالرئة التي يتنفس منها قطاع غزة، لما كان لهذا النظام أي دور صغير أو كبير، خاصة أن النظام نفسه تخلى عن أدوار أهم وأكبر كما سيأتي لاحقاً.
لقد بلغ السيل الزبى مع هذا النظام الذي أضاع ويضيع كل شيء جميل نعرفه ونحبه ونقدره لمصر العزيزة على قلوبنا جميعاً، ووصلت الأمور خط اللاعودة بعد تنفيذه المشين للجدار الفولاذي وما ساقه من مبررات مخزية لإنشائه، وتهجمات رخيصة لتبرير بنائه، على سبيل أن مصر تغرق بالمخدرات من غزة، وأن غزة اليوم هي الخطر على الأمن القومي المصري - أحد الخبراء العسكريين الذين تكرر ظهورهم في البرامج التلفزيونية المصرية قال بأنه في الوقت الراهن فإن الخطر الذي يهدد أمن مصر مصدره غزة وليس" إسرائيل" - القناة الثانية، مساء الاثنين 28/12/2009.
أن تتراكض الفصائل وتهرول نحو النظام المصري فهذا شأنها، وأن يصرح القادة ويشيدوا بدور مصر فهذا أيضاً شأنهم، لكننا ولأننا لا علاقة لنا بكل هؤلاء، ولا نخضع لسقفهم أو حساباتهم الفصائلية، وحساباتنا غير حساباتهم الدبلوماسية المهادنة والمجاملة، ولا نخضع للتكتيكات السياسية، فإننا لن نتوانى أو نتقاعص عن نصرة شعبنا، وفضح كل من يتآمر عليه، حتى وان اعتبر نفسه فوق الجميع.
في الحلقة القادمة نتناول شعار "الأمن القومي المصري".
لا نامت أعين الجبناء
01/01/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق