رجل المهام الصعبة
رجل المهام الصعبة أو "الكوماندوز"
لقب يطلق على رجل القوات الخاصة،
أو ما نسميه رجل الصاعقة،
وربما كانت تشير كلمة "الصاعقة"
إلى سرعة الانقضاض الفعال.
وما من جيش إلا ويتضمن في تكوينه قوة للصاعقة كما هو معلوم،
لكن الذي يثير الإعجاب حقًا أن يكون جيش كل من فيه من قوات الكوماندوز أو الصاعقة،
دون تعيين أو تحديد لكتيبة بعينها،
هذا لأن من يحمل هذا الاسم لابد وأن يكون بالفعل كالصاعقة،
طاقة وسرعة وحرارة،
وهي صفات كانت أصدق ما تكون في الجيل الفريد،
جيل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
طاقة ذاتية مصدرها إيمان قد ضرب جذوره في أعماق القلوب،
وحرارة مصدرها شرارة الحماس المتقدة في الهمم لنصرة دين الله،
وسرعة صنعتها رياح الشوق إلى لقاء الله.
وليفتح التاريخ كتابه،
ولينشر لنا صفحاته،
لنستعير منه أوراقًا لبطل من أبطال الإسلام،
استحق بجدارة أن نطلق عليه لقب "كوماندوز".
ذاك بطل يتبدى للموت ضاحكًا،
بطل لا تسل عن طاقة إيمانه،
ولا حرارة حماسته، ولا سرعة شوقه،
بطل عرض حياته رخيصة فداءً للإسلام،
إنه بطل لم يعبأ به الناس،
لم يكن شخصية مرموقة،
كان من دهماء الناس،
إن غاب لم يُسأل عنه،
وإن حضر لم يُحفل به،
لكن الإسلام قد وزنه،
ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم
قد بين للأنام قدره إذ قال:
(كم من أشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك)
[رواه الترمذي، (4227)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3854)].
نعم هو
البراء بن مالك رضي الله عنه،
الذي لم يكن رجل شهرة ولا أضواء،
غير أنه في البذل والتضحية قد سطع ضوءه كصاعقة السماء.
لما رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياة،
ارتد من العرب من ارتد،
واجتمع بعضهم على منع الزكاة، فنهض الصديق أبو بكر لهذه الفتنة،
وأبى إلا أن يُقَوِّم ما اعوج من أمر هذه الأمة،
وسيَّر كتائب التوحيد تنصر دين الله.
وفي إحدى معارك الردة،
قاد خالد بن الوليد رضي الله عنه المسلمين
ضد كذاب اليمامة مسيلمة،
وكان في جيش المسلمين البراء،
ذلك الشجاع الذي بلغ من الشجاعة مبلغًا عظيمًا
جعل الفاروق عمر يرسل للأمراء:
(لا تستعملوا البراء على جيش، فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم)
[سير أعلام النبلاء، الذهبي، (1/196)]،
ولقد قَتل مائة مشرك مبارزة بالسيف [المصدر السابق].
نشب القتال في اليمامة،
واستبسل المسلمون في ملحمة عظيمة،
ظهرت فيها مواقف التضحية والبذل والفداء والثبات،
حتى دخل بنو حنيفة مع زعيمهم الكذاب حائطًا لهم،
كانوا يتحصنون به في الحروب إذا دارت عليهم الدائرة.
وحاصر المسلمون الحائط الحصين،
ولم يستطيعوا إليه سبيلًا،
والانتصار في هذه الجولة يمثل تحولًا كبيرًا في حرب الردة،
فكيف يقتحم المسلمون هذا الحصن المنيع؟
هنا برز من بين الكتائب الخضراء
بطلها المغوار المستخف بالوغى:
البراء بن مالك رضي الله عنه،
فتوجه إلى المسلمين بطلب حمله عزم البطل،
لكنه كان طلبًا فريدًا عجيبًا،
فلو أنهم لا يعرفون البراء لقالوا:
مجنون وازدجر،
لكنهم يعرفون البراء الرجل البسيط المتواضع في مظهره،
الصقر الأشم في عزمه وهمه،
عزم يحلق به في السماء لا يضع جناحيه:
قلت للصقر وهو في الجو عــالٍ: اهبط الأرض فالهواء جـديبُ
قال لي الصقر: في جناحي وعزمي وعنان السماء مرعى خصيبُ
ولقد أراد البراء أن يحلق كالصقر في جو السماء،
فأمر أصحابه أن يحملوه على ترس برماحهم،
ثم يقذفوه بقوة إلى داخل الحديقة!
صدِّق ما قرأته عيناك، إن همه قد جعل منه جيشًا جرارًا لا فردًا وحيدًا،
يريد أن يُلقى داخل الحديقة المنيعة،
حتى يفتح أبوابها لكتائب التوحيد فتعبر على جسده إلى حيث النصر المبين.
لله درك من بطل،
أتدري ما تعنيه بطلبك؟!
إنها قفزة الموت.
كيف سيتحمل جسدك النزول على الأرض من هذا الارتفاع؟!
وإذا هبطت أيها الصقر المحلق على الأرض،
فكيف ستقتحم هذه الآلاف إلى باب الحديقة؟!
كم ضربة سيتحملها جسدك حتى تصل إلى الأبواب؟!
وأي سيف سيغرز نصله في جسدك قبلها؟!
أسئلة تدور في أذهاننا نحن،
فأما البراء فكأنه لم تدر بخلده مثل هذه التساؤلات،
لقد كان يشغله هم واحد:
هم نصرة الإسلام،
فما من شيء أحق منه بدماء الأبطال.
البراء الآن يجلس على العرش،
على ذلك الترس الذي حمله الأصحاب على رماحهم،
وحانت ساعة تحليق الصقر،
والكل ينتظر،
والتوقعات لا تكف عن طرق الأذهان.
الصقر الآن يحلق في السماء،
يهبط سالمًا بين آلاف السيوف والرماح،
ها هو يبارز، ويتفادى، ويقتحم،
هذا يغرز فيه سيفه،
وهذا يمزق لحمه بنصله،
كل ذلك وهو ينطلق كالسهم نحو الهدف،
قتل في طريقه إليه عشرة من المشركين،
وصل البطل إلى الأبواب والدماء تغمر جسده الطاهر،
و... ويفتح الأبواب،
وتندفع كتائب الأبطال،
ويدوي نهيم الأسود في حديقة الموت،
وتفتح أبواب الجنان تستقبل وفود الشهداء،
وتفتح أبواب النيران تستقبل أرواح الأشقياء،
والنصر للإسلام
[انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، (1/196)].
وبعد المعركة، وجدوا في جسد البراء بضعًا وثمانين جرحًا،
أقام عليه خالد ابن الوليد يداويه شهرًا، حتى برئ.
تمر السنوات، والبطل يلتمس الشهادة في ميادين الكفاح،
وكان كعادته يقوم بمهام الكوماندو،
فأتى يوم من أيام معارك الفرس،
وكانوا ينزلون السلاسل ذات الخطاطيف المحماه على جموع المسلمين،
فإذا ما علقت بأحدهم أخذته من لحمه وصعدت به.
وها هو البراء يرى أخاه وحبيبه أنس رضي الله عنه،
وقد أخذته إحدى هذه السلاسل ورفعته إلى أعلى،
وأمام هذا المشهد الذي أثار بركان الخوف والغضب في نفس البطل،
ما كان منه إلا أنه قفز في الهواء قفزة تغبطه عليها الأسود، وخلص أخاه من السلسلة المحماه،
والتي أنتزعها بيديه فلاحت عظامهما
[انظر: الإصابة في معرفة الصحابة، ابن حجر، (1/95)].
وبقي على قيد الحياة إلى أن جاءت معركة "تستر"،
واشتد القتال،
فنادى المسلمون البراء بن مالك:
يا براء اقسم على ربك ليهزمنهم لنا،
فقال:
اللهم اهزمهم لنا، واستشهدني،
فقاتل المسلمون قتال الأسود،
فكان ممن استشهد في هذه المعركة بطلنا المغوار:
البراء بن مالك رضي الله عنه.
ذلك البطل الذي وهب نفسه لله ولنصرة دينه،
ومن أجل ذلك كانت أفعاله التي تشبه الأساطير،
ومع كل ما قام به من أعمال بطولية،
لم يكن يومًا ليطلب بمقتضاها إمارة أو قيادة،
فيكفيه أن الله يرى جميل صنعه،
فلم يقطع طرفه زخرف الدنيا والشهرة والأضواء،
إنما هو بطل للميدان لا لعدسات الكاميرات،
بطل حقيقي،
كانت بطولته إنجازات على أرض الواقع،
لا على الصور واللافتات،
عرف أن البطولة عمل وتحرك من أجل دينه،
وليست شعارات أو ألقاب،
فاستحق هذا البطل بكل جدارة أن نطلق عليه:
رجل المهام الصعبة
رجل المهام الصعبة أو "الكوماندوز"
لقب يطلق على رجل القوات الخاصة،
أو ما نسميه رجل الصاعقة،
وربما كانت تشير كلمة "الصاعقة"
إلى سرعة الانقضاض الفعال.
وما من جيش إلا ويتضمن في تكوينه قوة للصاعقة كما هو معلوم،
لكن الذي يثير الإعجاب حقًا أن يكون جيش كل من فيه من قوات الكوماندوز أو الصاعقة،
دون تعيين أو تحديد لكتيبة بعينها،
هذا لأن من يحمل هذا الاسم لابد وأن يكون بالفعل كالصاعقة،
طاقة وسرعة وحرارة،
وهي صفات كانت أصدق ما تكون في الجيل الفريد،
جيل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
طاقة ذاتية مصدرها إيمان قد ضرب جذوره في أعماق القلوب،
وحرارة مصدرها شرارة الحماس المتقدة في الهمم لنصرة دين الله،
وسرعة صنعتها رياح الشوق إلى لقاء الله.
وليفتح التاريخ كتابه،
ولينشر لنا صفحاته،
لنستعير منه أوراقًا لبطل من أبطال الإسلام،
استحق بجدارة أن نطلق عليه لقب "كوماندوز".
ذاك بطل يتبدى للموت ضاحكًا،
بطل لا تسل عن طاقة إيمانه،
ولا حرارة حماسته، ولا سرعة شوقه،
بطل عرض حياته رخيصة فداءً للإسلام،
إنه بطل لم يعبأ به الناس،
لم يكن شخصية مرموقة،
كان من دهماء الناس،
إن غاب لم يُسأل عنه،
وإن حضر لم يُحفل به،
لكن الإسلام قد وزنه،
ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم
قد بين للأنام قدره إذ قال:
(كم من أشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك)
[رواه الترمذي، (4227)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3854)].
نعم هو
البراء بن مالك رضي الله عنه،
الذي لم يكن رجل شهرة ولا أضواء،
غير أنه في البذل والتضحية قد سطع ضوءه كصاعقة السماء.
لما رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياة،
ارتد من العرب من ارتد،
واجتمع بعضهم على منع الزكاة، فنهض الصديق أبو بكر لهذه الفتنة،
وأبى إلا أن يُقَوِّم ما اعوج من أمر هذه الأمة،
وسيَّر كتائب التوحيد تنصر دين الله.
وفي إحدى معارك الردة،
قاد خالد بن الوليد رضي الله عنه المسلمين
ضد كذاب اليمامة مسيلمة،
وكان في جيش المسلمين البراء،
ذلك الشجاع الذي بلغ من الشجاعة مبلغًا عظيمًا
جعل الفاروق عمر يرسل للأمراء:
(لا تستعملوا البراء على جيش، فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم)
[سير أعلام النبلاء، الذهبي، (1/196)]،
ولقد قَتل مائة مشرك مبارزة بالسيف [المصدر السابق].
نشب القتال في اليمامة،
واستبسل المسلمون في ملحمة عظيمة،
ظهرت فيها مواقف التضحية والبذل والفداء والثبات،
حتى دخل بنو حنيفة مع زعيمهم الكذاب حائطًا لهم،
كانوا يتحصنون به في الحروب إذا دارت عليهم الدائرة.
وحاصر المسلمون الحائط الحصين،
ولم يستطيعوا إليه سبيلًا،
والانتصار في هذه الجولة يمثل تحولًا كبيرًا في حرب الردة،
فكيف يقتحم المسلمون هذا الحصن المنيع؟
هنا برز من بين الكتائب الخضراء
بطلها المغوار المستخف بالوغى:
البراء بن مالك رضي الله عنه،
فتوجه إلى المسلمين بطلب حمله عزم البطل،
لكنه كان طلبًا فريدًا عجيبًا،
فلو أنهم لا يعرفون البراء لقالوا:
مجنون وازدجر،
لكنهم يعرفون البراء الرجل البسيط المتواضع في مظهره،
الصقر الأشم في عزمه وهمه،
عزم يحلق به في السماء لا يضع جناحيه:
قلت للصقر وهو في الجو عــالٍ: اهبط الأرض فالهواء جـديبُ
قال لي الصقر: في جناحي وعزمي وعنان السماء مرعى خصيبُ
ولقد أراد البراء أن يحلق كالصقر في جو السماء،
فأمر أصحابه أن يحملوه على ترس برماحهم،
ثم يقذفوه بقوة إلى داخل الحديقة!
صدِّق ما قرأته عيناك، إن همه قد جعل منه جيشًا جرارًا لا فردًا وحيدًا،
يريد أن يُلقى داخل الحديقة المنيعة،
حتى يفتح أبوابها لكتائب التوحيد فتعبر على جسده إلى حيث النصر المبين.
لله درك من بطل،
أتدري ما تعنيه بطلبك؟!
إنها قفزة الموت.
كيف سيتحمل جسدك النزول على الأرض من هذا الارتفاع؟!
وإذا هبطت أيها الصقر المحلق على الأرض،
فكيف ستقتحم هذه الآلاف إلى باب الحديقة؟!
كم ضربة سيتحملها جسدك حتى تصل إلى الأبواب؟!
وأي سيف سيغرز نصله في جسدك قبلها؟!
أسئلة تدور في أذهاننا نحن،
فأما البراء فكأنه لم تدر بخلده مثل هذه التساؤلات،
لقد كان يشغله هم واحد:
هم نصرة الإسلام،
فما من شيء أحق منه بدماء الأبطال.
البراء الآن يجلس على العرش،
على ذلك الترس الذي حمله الأصحاب على رماحهم،
وحانت ساعة تحليق الصقر،
والكل ينتظر،
والتوقعات لا تكف عن طرق الأذهان.
الصقر الآن يحلق في السماء،
يهبط سالمًا بين آلاف السيوف والرماح،
ها هو يبارز، ويتفادى، ويقتحم،
هذا يغرز فيه سيفه،
وهذا يمزق لحمه بنصله،
كل ذلك وهو ينطلق كالسهم نحو الهدف،
قتل في طريقه إليه عشرة من المشركين،
وصل البطل إلى الأبواب والدماء تغمر جسده الطاهر،
و... ويفتح الأبواب،
وتندفع كتائب الأبطال،
ويدوي نهيم الأسود في حديقة الموت،
وتفتح أبواب الجنان تستقبل وفود الشهداء،
وتفتح أبواب النيران تستقبل أرواح الأشقياء،
والنصر للإسلام
[انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، (1/196)].
وبعد المعركة، وجدوا في جسد البراء بضعًا وثمانين جرحًا،
أقام عليه خالد ابن الوليد يداويه شهرًا، حتى برئ.
تمر السنوات، والبطل يلتمس الشهادة في ميادين الكفاح،
وكان كعادته يقوم بمهام الكوماندو،
فأتى يوم من أيام معارك الفرس،
وكانوا ينزلون السلاسل ذات الخطاطيف المحماه على جموع المسلمين،
فإذا ما علقت بأحدهم أخذته من لحمه وصعدت به.
وها هو البراء يرى أخاه وحبيبه أنس رضي الله عنه،
وقد أخذته إحدى هذه السلاسل ورفعته إلى أعلى،
وأمام هذا المشهد الذي أثار بركان الخوف والغضب في نفس البطل،
ما كان منه إلا أنه قفز في الهواء قفزة تغبطه عليها الأسود، وخلص أخاه من السلسلة المحماه،
والتي أنتزعها بيديه فلاحت عظامهما
[انظر: الإصابة في معرفة الصحابة، ابن حجر، (1/95)].
وبقي على قيد الحياة إلى أن جاءت معركة "تستر"،
واشتد القتال،
فنادى المسلمون البراء بن مالك:
يا براء اقسم على ربك ليهزمنهم لنا،
فقال:
اللهم اهزمهم لنا، واستشهدني،
فقاتل المسلمون قتال الأسود،
فكان ممن استشهد في هذه المعركة بطلنا المغوار:
البراء بن مالك رضي الله عنه.
ذلك البطل الذي وهب نفسه لله ولنصرة دينه،
ومن أجل ذلك كانت أفعاله التي تشبه الأساطير،
ومع كل ما قام به من أعمال بطولية،
لم يكن يومًا ليطلب بمقتضاها إمارة أو قيادة،
فيكفيه أن الله يرى جميل صنعه،
فلم يقطع طرفه زخرف الدنيا والشهرة والأضواء،
إنما هو بطل للميدان لا لعدسات الكاميرات،
بطل حقيقي،
كانت بطولته إنجازات على أرض الواقع،
لا على الصور واللافتات،
عرف أن البطولة عمل وتحرك من أجل دينه،
وليست شعارات أو ألقاب،
فاستحق هذا البطل بكل جدارة أن نطلق عليه:
رجل المهام الصعبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق