14 يناير 2010

تشريع المهرفى الاسلام

  فحكمة تشريع المهر:
اتفق الفقهاء على أن المهر حق من حقوق الزوجة كما تبينه الآيات والأحاديث.
فمن الكتاب؛ قوله تعالى: )وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا( (النساء: 4)، وقوله تبارك وتعالى: )وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا( (النساء: 21)، وقوله تعالى: )وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين( (النساء: 24)، وقوله أيضا: )فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة( (النساء:24). وفي إطلالة على معاني المهر التي وردت في الآيات الكريمة، نستخلص جملة من المعاني التي تعبر عن الحكمة من تشريع المهر.
فالآية الأولى تضيف الصدقات للنساء ، ومعنى هذا أنه حق خالص لهن، وتؤكده )فإن طبن لكم(، "أي رضين بإعطائه دون حرج ولا عسف"[19] ، فالخطاب جاء موجها للأزواج  بأن لا يحتالوا في أخذ المهر أو إسقاطه من عقد الزواج، بعد أن تقرر وجوب دفع المهور للنساء. ومعنى " الصدقات" جمع صَدُقة: مهر المرأة، مشتقة من الصدق لأنها عطية يسبقها الوعد بها فيصدقه المعطي. وأما النِّحلة فهي العطية بلا قصد عوض، وسميت الصدقات نحلة إبعادا للصدقات عن أنواع الأعواض، إذ ليس الصداق عوضا عن منافع المرأة[20]، "وليس الناس يقصدون بالصداق المعاوضة بل التجمل، وصاحب الشرع أيضا لم يرد المعاوضة بدليل أنه لم يشترط فيه شروط الأعواض"[21]؛ كما هو متعارف عليه عند الكثيرين، ومما تؤكد عليه تعاريف بعض الفقهاء للزواج، بل إن الآية جاءت دلالتها صريحة في عدّ الصداق نحلة، وهو معنى راجع إلى مقاصد الزواج في ركون المرأة للرجل، واطمئنانه عندها، في السكن إليها، مما يحقق دوام العشرة بينهما. فالمهر عربون محبة وإعزاز، "والنحلة ما لم يعتض عليه، فهي نحلة من الله تعالى فرضها للزوجات على أزواجهن"[22]، تقديرا للمرأة التي ستصبح سكنا للرجل ما طالت الحياة بينهما. ولأنه حق خالص لها، فليس للرجل حق فيه إذا انفصمت عرى النكاح بينهما كما تبينه الآية الثانية، حتى ولو كان المدفوع للزوجة ما يعادل القنطار. وإذا كان المهر شعار الرغبة الصادقة في النكاح، فإنه كذلك علامة تميز النكاح عن الوطء السفاح والمخادنة كما جاء في الآية )أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين( ، وليس معنى الآية كما قد يتبادر إلى الذهن أن المال هنا مساو للأجر الذي يعطى للمخادنة أو البغي. فإذا كان أجر الزانية والبغي مقابل الاستمتاع بها، ويتجدد ذلك الأجر بالزيادة في الأجل، فإن المهر دلالة اختصاص المرأة بهذا الرجل، كما تعوهد على ذلك على مر الزمن، وبين كل الخلائق، "وكانوا لا يناكحون إلا بصداق لأمور بعثتهم على ذلك، وكان فيه مصالح؛ منها أن النكاح لا تتم فائدته إلا بأن يوطن الزوج نفسه على المعاونة الدائمة"[23]. فحكمة الشارع اقتضت أن يسمو بتشريعه ويرتقي به، ويختار من الموجود والمتعارف عليه أصلحه، مما لا تنفر منه الفطرة السليمة، "فتقدير الآية: أن تبتغوهن بأموالكم فإن النساء المباحات لا تحل إلا بعد العقد وإعطاء المهور[24]، فالعقد هو مدلول (تبتغوا)، وبذل المهر هو مدلول ( بأموالكم)[25].
 وأما الآية الأخيرة فهي " تفريع لفظي لبيان حق المرأة في المهر، وبيان عدم جواز إخلاء النكاح عن المهر؛ لأنه الفارق بينه وبين السفاح"[26]. والإخلاء المقصود به هنا النفي، فلا يجب أن ينعدم المهر كلية من النكاح، لكن قد لا يسمى فقط عند العقد، لا أن المتعاقدين يتفقان على إخلاء المهر أو نفيه أو إسقاطه؛ لأنه حق من حقوق المرأة التي يجب أن تؤدى إليها، وهو الأمر الذي تؤكد عليه جملة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
فمن السنة: عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، فقال: ما هذا ؟ قال يا رسول الله تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب. قال فبارك الله لك، أولم ولو بشاة[27].
خلاصة:
من خلال هذه الإطلالة السريعة على أقوال العلماء ومذاهبهم في حكم الصداق، بين التردد في القول إنه ركن أو شرط أو هو مجرد موجب للعقد وأثر من آثاره، فإن الفقهاء أجمعوا على صحة النكاح بغير فرض صداق، بشرط وجوب مهر المثل للمرأة، فعدم تسمية المهر عند العقد لا تضر، "والذي يثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن النكاح ينعقد بدون فرض المهر، أي بدون تقديره، لا أنه ينعقد مع نفيه"[28]. ولم يخالف إلا المالكية في فسخ النكاح قبل الدخول. والاتفاق حاصل أيضا على وجوب مهر المثل سواء عند القائلين بصحة النكاح مطلقا مثل الشافعية، أو الحنفية والحنابلة الذين اتفقوا على صحة النكاح وفساد شرط الإسقاط، أو المالكية الذين صححوه بعد  الدخول، وقالوا بفسخه قبل الدخول، هذا الاتفاق على إيجاب مهر المثل تأكيد من العلماء على أهمية وجود المهر في عقد النكاح، سواء فرض بداية أو وجب لاحقا.  أقوال الفقهاء في قدر المهر:
اعتمدت آراء الفقهاء في تحديد أقل المهر وأكثره على الاستنباط من الآيات الكريمة وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في الموضوع، فهما واستنباطا وقياسا.

 يستحب أن لا يغلى الصداق، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قوله صلى الله عليه وسلم: "أعظم النساء بركة أيسرهن مهرا"[42].
وفي شرح الحديث يقول الشوكاني: "وفيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر، وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه؛ لأن المهر إذا كان قليلا لم يستصعب النكاح من يريده فيكثر الزواج المرغب فيه، ويقدر عليه الفقراء، ويكثر النسل الذي هو أهم مطالب النكاح



ليست هناك تعليقات: