هل يقتل الإسلام طموح الإنسان أو يحده
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم
علوم البرمجة اللغوية العصبية ومهارات الاتصال ومهارات الإقناع ومهارات تنمية الذات وعلوم الإدارة سواء إدارة الأفراد أو إدارة الذات – بما لها وما عليها- جعلت الإنسان يركض وبسرعة ليل نهار وراء تنمية ذاته وإثبات قدراته , هذه البرامج والدورات التي تجعل من طموحك طموحاً لا حدود له , هذا الطموح الذي لا حدود له قد تكون له حسناته , وهو أن يحثك على السعي إلى الأمام وإلى الأفضل وهذا الجانب الإيجابي , أما الجانب السلبي في الموضوع فهو أن ينسيك قدرتك ويجعلك تعيش في وهم قد حُشي به عقلك الواعي واللاواعي , فيعيش الإنسان على أوهام تجعله يقضي حياته فيها , وقد يصحو يوماً من الأيام فيدرك خطأه فيصلحه , وقد يصاب بالذهول والحسرة من كونه ظل مخدوعاً لفترة طويلة من الزمن فيمضي بقية حياته متألماً متحسراً , وقد لا يشعر أبداً فيموت وهو يظن نفسه من المبرزين وما هو في الحقيقة إلا من الواهمين , من كل ما تقدم لا أريد أن يفهم مني أني أنسف كل هذه العلوم – إن صحت تسميتها بهذا الاسم – جملة وتفصيلاً , ولا أعترف بها جملة أيضاً , لا ولكن أرفض إعطاءها أكبر من حجمها , وأرفض تغرير الناس بها , وأرفض أن تكون حلاً لكل مشكلة كائنة ما كانت .
لا شك أن مما يتم التركيز عليه كثيراً هو مسالة الطموح , الإنسان بلا طموح إنسان بلا مضمون وبلا هدف وأي سيارة تسير على غير هدىً فالهاوية مصيرها , ومقرها , ومستودعها .
ولا شك بأن الإسلام يحفز أبناءه , ويطلب منهم أن يكونوا أصحاب طموح , لكنه الطموح الحقيقي , والطموح المفيد , فالترغيب الذي يأخذ حيزاً كبيراً من القرآن الكريم ألا يعد تحفيزاً للطموح ؟؟ عندما يحدثك عن الجنة أليس هذا تحفيزاً لك لكي تطمح إليها ؟ ولكنه دائماً يذكرك بأن الطموح إن خلى عن العمل فهو تمنٍ كاذب قال صلى الله عليه وسلم : "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت , والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" فعلاً حديث من أجمل الأحاديث التي تحفز على الطموح المقرون بالعمل وإلا فالطموح من غير عمل مجرد أمنية , بل أمنية فاشلة .
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
طبعاً هذا بعد اعتقاد المسلم أنه مع كونه مأموراً بالعمل إلا أنه لن يكون له إلا ما قضى الله وقدر .
الطموح أمر مشروع , بل لو لم يكن هناك طموح لما عمل أحد , فأهل الدنيا يطمحون إلى المزيد منها فيعملون , غير مبالين أوصلوا إلى ما يريدون من طريق حلال أم من حرام , وأهل الآخرة يعملون لآخرتهم ولدنياهم , لكن طموحهم لا يجعلهم يحيدون عن طريق الحق وعن الحدود التي شرعها الله .
من كل ما تقدم نعلم أن الطموح أمر شرعي مباح ما دام الهدف الذي تصبو إليه مباحاً , فالإسلام يرفض مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) ويستبدلها بأن الوسيلة السليمة توصلك إلى الغاية السليمة , والغاية السليمة لا تكون كذلك إلا إذا سلكت لها طريقاً سليماً .
ولكن الإسلام مع كل ما تقدم يطلب من المسلم أن لا ينظر إلى من هو فوقه في العلم أو المال أو الجاه هل معنى ذلك أن الإسلام يقيد طموح أبنائه ؟ أم أنه يقعِّدها ويشرِّع لها ؟
في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بخصال من الخير : أوصاني : "بأن لا أنظر إلى من هو فوقي ، وأن أنظر إلى من هو دوني" رواه ابن حبان في صحيحه .
فهل معنى ذلك أن الإسلام يطلب من أبنائه أن تكون طموحاتهم معقولة أو غير مبالغ بها مثلاً ؟ أم أنه يطلب منهم أن يكونوا بغير طموح ؟ لأنه كيف يكون للإنسان طموح إذا نظر إلى من هو أقل منه ؟ لن يبقى له طموح بل سيظن أنه من خير الناس .
والجواب ببساطة هو أن الله عز وجل يرفض منك أن تنظر إلى من هو أعلى منك نظرة حسد , أو نظرة تحسر وألم , ولكنه يطلب منك أن تنظر إليه نظرة تعلم , ونظرة تأمل . وبالمقابل يرفض منك أن تنظر إلى من هو دونك نظرة ازدراء , أو نظرة تكبر , ولكنه يطلب منك أفضل الحلول وأنجع النظرات , يقول لك لا تنظر إلى من هو دونك في الخلق والرزق نظرة ازدراء ولكن انظر نظرة رحمة وعطف ومساعدة , انظر إليه وتخيل نفسك مكانه واشكر الله الذي لم يجعلك مكانه , وإذا نظرت إلى من هو أعلى منك فلا تنظر نظرة حسد ولكن انظر نظرة إعجاب وتبريك له على ما أعطاه الله , انظر إليه نظرة تعلم , فهذا لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد جهد وتعب وعناء .
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله *** لن تنال المجد حتى تلعق الصبرا
فالإسلام لا يحرم الطموح , ولكنه يجعله ضمن إطار حتى لا يصبح أمنية تتمناها ثم يصبح حسرة تتحسر عليها , فالمسلم الحقيقي أعلى الناس همة وعزيمة وطموحاً وتفاؤلاً وأملاً بالله عز وجل .
يروون بيت شعر جميل يقول :
تقول لي أم الوليد أبغي جملا *** يمشي رويداً ويجيء أولا
وهذا ضرب من الخيال والأحلام التي لا يمكن أن تتحقق فمن طلب العلا سهر الليالي , ولو جلست لسنوات وأنت تزرع في عقلك الباطن أنك وأنك , دون عمل , فلن ترى أمامك إلا الحسرة والندامة .
المسلم أعلى الناس طموحاً لكنه بعيد عن الأحلام وعن الخيالات والله أعلم ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق