08 يناير 2010

الفرح اختيار شخصي




 

قد تبدو كلمة «سعادة»، مرادفاً لكلمة «فــرح».. لكــن بتعريفــها ببســاطــة، سوف نجد أن السعادة هي حالة عابرة، ونتمتع بها لفترات قصيرة.. مثلما يحدث عندما نرى ابتسامة رضيع، أو عندما نحصل على الــدرجــات النهائيــة فـي امتحان صعب، أو عندما نستنشق أول نسمات الربيع.. الخ.. بمعنى أننا نشعر بالابتهاج بسبب مصدر خارجي.
أي أن السعادة ليست شيئاً يمكن أن تمسكه بيدك، بل هي مثل الماء، إذا ما حاولت أن تمسكها، فإنها تنساب من بين أصابعك.
أما «الفرح»، فإن جذوره تستوطن في داخلنا نحن، وتمتد في أعماقنا نحن، وليس في أشياء خارجنا.. بمعنى أننا نشعر بالابتهـاج
 بسبــب داخلــي فـي أعماقنا.. مهما تغير المصدر الخارجي.
الفرح، شعور إيجابي، دافيء، ومستديم. «الفرح»، ليس مجرد فعل، بل إنه توجه حياة.
«الفرح»، لا يختفي من قلوبنا بسبب حدوث مشكلة، ولا يهرب من بين أصابعنا مثل قطرات الماء، بل هو كيان قوي يسكن القلب، ويبيت في الفكر، ويعسكر في الكيان.. فهو أساساً، الثقة في قدرة الله القدير التي ترفعنا فوق كل الظروف.
نعم، الفرح دائماً اختيار شخصي حكيم. فليكن الفرح هو اختيارك الحكيم لنفسك.
ولكن، تنبه، فهناك لصوص يتربصون ليسرقوا فرحك.




لصوص الفرح:
هناك وسائل عديدة لسرقة الفرح من أي شخص «فرحان»، لكنها عادة ما تبدو مثل خطاف الصنارة، الذي لا يطفو على سطح الـمــاء، والــذي لا تــراه فـي الغــالب، لـكنــه يستطيــع أن يــراك بوضــوح عبر تليسكوب المناورات الحياتية، والخداعات المعيشية، مثل:

 1- الماضي الأليم:
الذاكرة قـدرة هائلـة، وكـل فعـل نأتيـه، أو كل فكرة تخطر على بالنا، تكون حجراً يعلّي البناء في هذه الذاكرة. وسواء كان هذا الفعل حسناً أو سيئاً، فإنه يتخلف في الذاكرة، فيؤثر في حاضرنا، ثم يصبح ماضياً مؤثراً فينا.
ولأن بعض الذكريات يصعب التخلص منها، فلابد من أن ندخر في خزائن ذاكرتنا كل ما هو صالح، من علاقات سوية، وتصرفات قويمة.
فلا تُنـــهِ فرحـــك عنـــد خطــأ غيــــر مقصـود، أو حماقة غير ضارة.. وتذكر دائماً أن مراحم الله كثيرة. وهي جديدة في كل يوم.

  2-  طبيعة البشر:
إن ابتهاجــك الغامــر، لا يـــؤدي بالــضــرورة لابتــهــاج مــــن حــولــك. وقــد يقتــل النــاس فرحــك، دون أن يقصــدوا ذلك دائماً. فإن نجاحك وتقدمك قــد يُحدث تغييراً غير مقصود داخلهم. وقد لا يروق هذا التغيير لهم بالمرة. وربما يكون سبب عدم إعجاب آخرين بك، غامضاً بالنسبـــة لك.. ورغـــم ذلك يدفعـــك «لص الفرح» لتقضــي الكثيــر مــن وقتــك وجهدك في مــحاولة تحــديــد هـــذا السبــب. وغـالباً ما تستهلك قواك، «ويُسلب منك فرحك» قبل أن تكتشف السبب.
ضع في حسبــانك أن السبب يمكن أن يكون طباعهم، أو أقاويلهــــم، أو أفعالهم.. فالبشــر هــم البشــر.
اخلق أوقات الفرح السوي، مهما قال عنك الناس.

3- الضغوط، والآلام، والمشكلات:
تمر علينا لحظات في الحياة، لا تدعونا أبداً للشعور بالفرح.
فضغــوط الحيــاة، والمشكــلات الخاصـة والعامــة، والآلام التــي تــدور بهــا عجلــة الحيــاة، قــد تسلــب منــك كــل رغبــة في الفــرح.
وللحـق أن المشكــلات، والآلام، ليســت خبــرات مبهجــة بالمــرة، بــل إنهــا تشعــرك بوخــز قــوي، يكــاد يكتــم أنفاســـك. لكـــن، لنعتــرف بـأن القليــل فقـــط مــــن ظــــروف الحيــاة، هو الــــذي يكــون حقــاً تحـــت سيطرتنــــا. والإنســان الــذي تتوقف سعادتــه على الظــروف المثاليــة، سوف يبقى بائساً معظم الأيام.

4- حب الامتلاك:
قــد نظــن أن السعــادة، والفــرح، يتحققــان بامتــلاك الأشيــاء الماديــة، وتكديــس الأمــوال السائلــة. لكــن، الواقـــع، أثبــــت عـلــى مــدى الــزمــــان، أن الإنســان النقــي يستطيــع أن يكتفـي بأبســط الأشيــاء، فيشعــر بالرضـى، وبأنه يمتلك كل شيء.

   5- حمل الهم الثقيل:
إن القلــق المرضــي، وحمــل الـهم الثقيــل، يفقداننــا سلامنــا، فيضيــع علينــا الفــرح بإنجــازات حياتنا.
فــلا تفــرح أنــك تحصــل على «النــوم» بابتــلاع أقـــراص الــــدواء، التــي تشتريهـــــــا مـــــــن الصيدليــــــة، لأنــــــك لا تستطيــع أن تشتري معها «راحة البال».
بــل اطلــب معونــة اللــه القــادر علــى مساعدتك.


 
فكيف تحفظ « فرحك الذي فيك »؟
لكي نمنع هؤلاء اللصوص من سرقة الفرح الموجود فعلاً في داخلنا، وحياتنا، علينا أن نتبنى فكراً صحيحاً، لكي نمتلئ به، فيقوم هو بتحديد وجود، ومقدار الفرح في حياتنا.
تعلّم كيف تتقبل الشدائد، والتغييرات:
كل شيء تحت الشمس يتغير، ويتبدل، بما في ذلك الظروف، والأحوال. لكننا كثيراً ما نكره التغيير، حتى إذا كان نحو الأفضل، لأن هذه التغييرات تتطلب طاقة أكثر، قد لا نستطيع بذلها - مثل تغيير الوظيفة، أو مجال الدراسة.. الخ.
لكن ثق أن التغيير - في نفسك وفي غيرك - وكــذلك الشــدائــد، كلها أدوات في يد الله عز وجل، يسخرها لصالحك.. فاقبلها بفرح، لأنها لخيرك.
وتعلّم، أن تشكر الله، حتى على أبسط، الأشياء وٌّأصغرها، وكذلك عندما تكون الأمور زاهية من حولك، وأيضاً عندما تحط عليك أصعب المحن.. فتحصل على منحة الفرح.

ليست هناك تعليقات: