03 يونيو 2010

أسئلة الانكسار والضياع – فهمي هويدي


هل صحيح أن الجزائر صارت أبعد عنا، في حين أصبحت إسرائيل أقرب إلينا؟..
أدري أن السؤال ما كان ينبغي له أن يرد على البال أصلا، حيث يفترض أن تكون إجابته محسومة سلفا، لكنه بات واردا في زمن الانكسار، وغدا تجاهله نوعا من دفن الرؤوس في الرمال.

طرح السؤال له خلفيته التي تبرره. ذلك أن الصحف المصرية كانت قد نشرت كلاما للاعب الأهلي والمنتخب الوطني محمد أبوتريكة، أبدى فيها استعدادا وترحيبا بالسفر إلى الجزائر ومشاركة شعبها احتفاله بالتأهل لمونديال جنوب أفريقيا.

وحسبما ذكرت صحيفة «الدستور» (في 16 مايو الجاري) فإن أبوتريكة في توضيحه لموقفه قال إن هذا هو الوقت المناسب لإزالة الاحتقان بين الشعبين، على خلفية الأحداث التي خلفتها المباراة الشهيرة.
وأضاف أنه ليس من المنطقي السكوت عن الجفاء الذي حدث جراء تلك المباراة، لأن ما بين مصر والجزائر أكبر من أي خلاف بسبب مباراة في كرة القدم، خاصة أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه،
كما أن مطالبة كل طرف للآخر بالاعتذار أمر غير مقبول، لأن ما بين الإخوة من روابط في الدين والدم أكبر من أي اعتذار، وخيرهما من يبدأ بالسلام.

هذا الكلام الرصين في الخبر المنشور استُقبل بغضب شديد من جانب أعضاء الجهاز الفني للمنتخب الوطني، وكانت الحجة في ذلك أن أبوتريكة كان أحد شهود العيان لما حدث في السودان وفي أنجولا، كما أنه على علم بالتصريحات المسيئة التي صدرت عن لاعبي المنتخب الجزائري وتناقلتها وسائل الإعلام، واستهدفت المدير الفني للمنتخب المصري.
فهمنا في الكلام المنشور أن مدير المنتخب أغضبته تصريحات أبوتريكة، وكذلك المدرب العام للمنتخب، الذي قال إن طبيعة العلاقات الطيبة القائمة بين الجهاز الفني واللاعبين تفرض على كل واحد من الأخيرين أن يرجع إلى الجهاز للحفاظ على صورته ووحدته قبل الإقدام على خطوة من ذلك القبيل تمس المنتخب الوطني ككل،
مضيفا أن كلام أبوتريكة عبر عن وجهة نظره الشخصية، باعتباره لاعبا في صفوف النادي الأهلي، قبل أن يكون لاعبا في المنتخب الوطني.

المشهد إذا صحّت وقائعه يضعنا أمام مفارقتين،
الأولى أن أبوتريكة تبنى موقفا أرقى وأكثر مسؤولية مما عبر عنه الجهاز الفني، فقد تصرّف اللاعب باعتباره مواطنا عربيا سويا في مصر الكبيرة التي تحتوي الأشقاء وترتفع لأجلهم فوق الجراح،
أما مسؤولو الجهاز الفني فقد تصرفوا كأعضاء في قبيلة منكفئة على مراراتها ولا يعنيها إلا الثأر لما أصابها.
المفارقة الثانية والأهم أن رئيس الجهاز الفني الذي غضب بشدة من ترحيب أبوتريكة بالذهاب إلى الجزائر لمشاركة الأشقاء هناك فرحتهم، هو ذاته الذي وافق على سفر المنتخب المصري إلى رام الله، لكي يلعب مع نظيره الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي وبرعاية من الأعداء.
صحيح أن المباراة أُجّلت لكن الفكرة لم تُلغَ، لأن موعدا جديدا تحدد لها. ومع ذلك فإن المفارقة تثير السؤال الذي ألقيته في بداية الكلام، حول ابتعادنا عن الجزائر واقترابنا من إسرائيل.

إذا دققنا في المشهد، فسنجد أن المفارقة ليست مقصورة على الجهاز الفني للمنتخب، ولكنها انعكاس لمدى التشوّه الذي أصاب الإدراك في بعض الدوائر بمصر. وهو التشوه الذي أسهمت فيه مواقف سياسية عدة أثارت قدرا غير قليل من الحيرة واللغط،
من ذلك اهتمام مصر بإقامة السور الفولاذي الذي يحكم الحصار حول غزة ويطمئن إسرائيل ويؤمنها بأكثر من اهتمامها ببناء بيوت ضحايا السيول في سيناء أو توفير احتياجات المحاصرين في القطاع.

إن أسئلة زمن الانكسار كثيرة، لكن أخطرها ذلك الذي لا يميز بين العدو وبين الصديق أو الشقيق، لأنه يعبر عن التلازم بين الانكسار والضياع.

ليست هناك تعليقات: