02 مارس 2010

الوصاية الفكرية مهمة فاشلة

 للكاتب :فهد عامر الاحمدي

مشكلة الرقابة - على الكتابة والفكر - أنها حالة نسبية مطاطة تعتمد على قناعات من يملك زمام الأمور.. كما أنها عرضه للتغيرات الاجتماعية والتأويلات الثقافية واتهامات الخروج على "النهج القويم"..
والمشكلة الأزلية - التي لم يوجد لها حل - اعتقاد كل جهة أنها صاحبة المرجع الوحيد في الوصاية على عقول الناس ومراقبة أفكارهم الخاصة؛ ولكن الحقيقة هي أن مجرد الوصاية الفكرية (ومحاولة جذب الآخرين لقناعاتنا الشخصية) فكرة خاطئة وغير منطقية منذ البداية.. فاختلاف الأهواء والآراء من طبيعة البشر لدرجة أنهم حتى حين يتفقون على ثوابت أساسية (في الدين مثلا) يرفقونها باختلافات تأويلية وتفسيرية وتحويرات تناسب نظرتهم الشخصية..
أما الأسوأ من ذلك فهو استغلال سلطة الوصاية الفكرية والسلطة الرقابية ليس لحماية الذوق العام - كما هي الحجة المعلنة - بل لترسيخ مصلحة سياسية أو فكرة إيدلوجية ضيقة يعتقد أصحابها أنها تخفى على عامة الناس.. ويصبح الوضع مضحكاً - أكثر - حين تناط مهمة "التقييم الفكري" إلى جهة وحيدة هي آخر من يعلم بجهلها المطبق وتعصبها المسبق وتأخرها عن حراك المجتمع.. ورغم أن ذهنية الرقابة الفكرية ماتزال شائعة في بعض المجتمعات إلا أنها بدأت تدخل (في العقود الأخيرة) ضمن دائرة المستحيلات بفضل التواصل العالمي المذهل عن طريق الانترنت والمحطات الفضائية ووسائل الاتصالات الحديثة..
وحتى نكون صريحين أكثر يجب أن نعترف أننا - السعوديين - أبطال العالم في "القفز الفضائي والالكتروني" الى خارج حدودنا الرقابية (ثم العودة للوطن بطقة زر).. فرقابتنا الثقافية لا تسمح مثلا بإقامة صالات سينما عامة ولكن بيوتنا تمتلئ بالقنوات الفضائية والأفلام السينمائية.. وفي حين توقفنا عن إصدار صحف ومطبوعات جديدة بدأنا بإنشاء عشرات المدونات والمواقع الإلكترونية.. وفي حين تنقصنا المجالس النيابية والمنابر الشعبية تحولت لدينا رسائل الجوال ومنتديات الشبكة إلى مجالس حرة تعبر عن آراء الناس وهموم المجتمع.. أما الانترنت فتحولت الى متنفس كبير تجاوزنا بفضلها حدود الثقافة والسياسة والجغرافيا، وغدت بديلا عن سطوة الرقابة وجمود الثقافة وحرية التعبير!
... ومن كل هذا ندرك أن الحدود الرقابية كلما شددت من جهه لابد أن تُكسر وتقتحم من جهة أخرى. ورغم أن مهمة الرقابة المعلنة حماية الهوية الثقافية والاجتماعية إلا أنها تكاد تكون مستحيلة وغير منطقية لأسباب كثيرة يصعب حصرها..
- فالرقابة الفكرية مثلا تتعارض مع طبيعة الإنسان كمخلوق حر ومفكر (وبالتالي) أفضل ما يمكن فعله هو العرض والتذكير (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)..
- أضف لهذا أن القناعة (أو عدم القناعة) حق شخصي وإيمان ذاتي يصعب فرضه بالقوة مهما بدا لصاحبه مقنعا وسليما (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)!
- أما من ناحية "الكم" فمن غير المنطقي والمقبول أن تفرض جهة وحيدة (وربما ضيقة ومنعزلة) رأيها على مجتمع كامل يموج بالآراء والأهواء والتيارات الفكرية!
- وحتى لو أتيح لأي جهة وحيدة فرض رأيها الخاص (في الماضي) فيصعب عليها ذلك (في الحاضر) بسبب انهيار الحدود الإعلامية والثقافية بين الدول والمجتمعات!!
... وبناء عليه؛ الحل الوحيد يكمن في حُسن الظن، واحترام الآخر، وعدم تنصيب أي جهة لنفسها كمرجع ورقيب على نوايا الآخرين


ليست هناك تعليقات: