19 أبريل 2010

للثقة ...أسرار و حدود

الثقة هي سر النجاح و هي التي تعطيك إحساسا دائما بالأمان و الاستقرار و تخلع عنك لباس الخوف و القلق ، لتبدأ حياتك و تمضي مع الأيام و تجتاز الصعوبات و المحن نحو مستقبل ملئ بالإنجازات و عالم ملئ بالراحة و الأمان . 

الثقة بالله منبع الثقات
 
  منبع الثقات كلها هوالله سبحانه و تعالى ، فالثقة بالله هي الأساس الحقيقي الذي ينبني عليه ثقتك في نفسك و
ثقتك في من حولك من الناس .
و الثقة بالله هي مفتاح كل خير ذلك لأن الخير كله بيد الله ، فالثقة بالله تستتبع ثقة في النفس التي خلقها الله و ثقة في المستقبل وثقة فيمن حولك من الناس ، و الثقة بالله لا يعرف معناها الحقيقي و لا يشعر بها إلا من عرف الله حق معرفته و آمن به و توكل عليه ، فالإيمان بالله هو السبيل الأمثل للثقة الحقيقة و ليست تلك الثقة الموهومة التي قد تجدها عند بعض الناس الذين يغفلون عن هذه الحقيقة الهامة و هي أن الله هو خالقهم و أنه هو الذي منّ عليهم بما هم فيه ، فالاعتقاد بالذات دون الاعتقاد بخالقها ، هو اعتقاد سطحي ساذج و هو سبيل للغرور و التكبر ، و
 الثقة التي تنبني على مثل ذلك الاعتقاد هي ثقة موهومة سرعان ما تنهار أمام الصعاب ، و إن مد الله لهذا الشخص في طغيانه ، فأعلم أن العاقبة بالتأكيد سوف تكون في غير صالحه .
 
حدود الثقة بالله
 
  الثقة بالله ليس لها حدود ، فالله سبحانه و تعالى مالك الملكوت و بديع السموات و الارض و مسخر السحاب و مسير الجبال ، و هو سبحانه و تعالى قادر علي كل شئ ، و هو الرحمن الرحيم ، لا نحصي ثناء ٌعليه أبدا ً، ثقة
منبعها الإيمان به و معرفة كل أسم من أسمائه و كل صفة من صفاته ، و الثقة بالله هي الاعتقاد بقدرته و صفاته ، و لا تحاول أن تضع حدا لاعتقادك لأن مقدرة الله حتما سوف تتجاوز هذا الحد ، و للثقة بالله أمثلة كثيرة ،
تجدها في سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أُلقي في النار،.. فقال بعزة الواثق بالله حسبنا الله ونعم الوكيل.. فجاء الأمر الإلهي" يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ "
 و تجدها في أم موسى عليه السلام عندما أمرها الله أن تضع ابنها الرضيع في صندوق و تتركه ليرحل أمام عينها في النهر إلي ما لا تعلم ثقة في الله الذي أوحى لها
"إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِين"
و تجدها في سيدنا يعقوب عليه السلام عندما أشتد ألمه لفراق أبنه و قال لأخوته
" إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " .
و من الأمور التي تتجلى فيها أهمية هذه الثقة ، أمور الرزق ، فلابد لك أن تعلم أن رزقك دائما على الله و أن تتيقن من ذلك فرزقك آتيك مهما كانت الأسباب ، و لعل من الأخطاء التي تقع فيها النفس هي أن تتخيل أن الفضل
يرجع للأسباب في تحصيل الرزق ، و الحقيقة بخلاف ذلك فبالرغم إننا مأمورين بالأخذ بالأسباب إلا أن هذا لا يعني أن مجرد الأخذ بهذه الأسباب هو الذي يمنحك الرزق ، فالأخذ بالأسباب شرط لازم و ضروري لأننا مأمورين به ، و لكن الله هو الرازق الحقيقي و هو السبب الأصلي و الوحيد للرزق و لديه ما لا نعلم من الأسباب .
و قد تتعجب عندما تجد أن العامل الذي يقضي الكثير من الوقت في عمله يتكبد الجهد و العناء و تجده يتقاضي أجرا ً ضئيلا ً بينما شخصا آخر في ذات المنظمة يجلس في مكتبه المريح و المكيف الهواء و يتحدث في الهاتف و قد تكون مدة عمله اقل من نصف مدة عمل ذلك الأول و يتقاضى أضعاف مرتبه ،فهذا يعني انه ليست هناك علاقة ما طردية أو عكسية بين الرزق و السعي ، إنما السعي شرط أولي ، و نحن لا نعلم كل الأسباب و إنما دورنا أن نأخذ بما نعرف من الأسباب ،و عليك أن تعلم إنها حكمة الله يعطي لحكمة و يمنع لحكمة و في عطائه منع و في منعه عطاء .
 و لعل في قصص الأنبياء أجل العبر ، فأم موسى عليه السلام إذا أرادت أن تحمى ابنها فإن من المنطقي أخذا ً بأسباب البشر أن تحفظه في مكان آمن بعيدا عن أعين الناس و لكنها عملت بوحي ربها الذي يعلم من الأسباب ما لا تعلم و تركته في النهر ، معرضا ً لكل أنواع الهلاك من سرقة و غرق و جوع و عطش .
 
إنها ثقة بالله ليس لها حدود ، ثقة لن تجدها إلا في قلوب المؤمنين به إيمانا ً حقيقيا ً، و المعتقدين فيه اعتقادا ًيقينيا ً، فالثقة بالله هي اعتقادا بإلوهيته و حكمته و عظمته اعتقادا يجعلك تأتمر بأوامره و أنت تثق أن فيها الخير و البركة ،
و تنتهي بنواهيه و أنت على يقين بأنها شرٌ لك ، و الثقة بالله هي النور الذي يضئ لك حياتك و يجعلك تشعر بالراحة و الاطمئنان ، ولعل هذه الثقة تنير قلبك و أنت شاب في مقتبل عمرك تبحث عن الزوجة و قد خاب لك الرجاء ، أو يئست من البحث عن عمل مناسب لك و شعرت بالفشل و الإخفاق ،أما و قد علمت بأن الله يعلم عنك ما لا تعلم أنت ، و علمت بأنه قدّر لك رزقك و أختار لك زوجتك من قبل أن تولد أنت ، فهل يحزنك شيئا بعد الآن .
، و لعل من أجمل الاقوال التي سمعت بها عن الثقة بالله قول الحسن البصري " علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فأستراح قلبي " فراحة القلب هي نتاج الثقة بالله تعالى و المؤمن الحقيقي يعرف ذلك جيدا ً.
 
الثقة و التوكل و التواكل 
 
الثقة بالله هي الاعتقاد فيه و الايمان به و التوكل عليه فالتوكل و الثقة وجهان لعملة واحدة ، و لكن التوكل يختلف
عن التواكل في أن التوكل هو الثقة بالله مع الأخذ بالأسباب التي أمرنا أن نأخذ بها أما التواكل فهو ثقة موهومة سببها عدم الأخذ بالأسباب و عدم المعرفة الحقيقة للخالق فالتواكل هو التكاسل و التقاعس عن أداء الدور الذي ينبغي عليك أدائه ، بحجة الإتكال على الله و هي فكرة خاطئة حيث أن الله أمرنا بالسعي ، و لا ننسى قول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم " أعقلها و توكل ". 

الثقة بالنفس
 
أما عن الثقة بالنفس ، فإنها تعني الاعتقاد بالنفس و الاعتداد بها ، و كما أسلفت الذكر ، فأن الثقة الحقيقة هي التي
يكون منبعها الثقة بالله و الثقة في القدرات التي خلقها الله لك ، و أنه قادر على كل شئ ، و الثقة بالنفس تعطيك الاحساس بقيمة نفسك بين قرنائك ، فتنعكس على جميع تصرفاتك و أفعالك ، و هي من الأحاسيس المكتسبة فلا يولد الشخص بها ، و تزداد هذه الثقة مع الأيام كلما ازدادت انجازاتك أو أزداد نجاحك ، و الثقة بالنفس قد تتفاوت من شخص لأخر و من شئ لأخر عند ذات الشخص فقد تجدك في امور معينة اكثر ثقة من أمور اخرى و قد يرجع ذلك الي سبق التجربة أو إنجاز سابق في هذا الأمر ، و من اكبر معوقات الثقة الخوف و القلق و التردد و الفشل ، و كلها آفات يمكن أن تزول مع
 ترسيخ الإعتقاد بالنفس المبني على الثقة الصحيحة بالله ، و توكيدها بالأفكار الايجابية و العمل الإيجابي ، و المعرفة من أهم العوامل المؤثرة في الثقة فترسيخ المعارف في شتى العلوم من شأنه تدعيم ثقتك بنفسك و بمن حولك ، و لعل الجهل و نقص المعرفة من أبرز أسباب ضعف الثقة بالنفس أمام الآخرين .
و الثقة السوية بالنفس هي السبيل الأمثل للنجاح في الدنيا و الآخرة حيث أن الأنسان الواثق من نفسه إنسان يرى الأشياء بوضوح و يستطيع ان يحدد مبادئه و أهدافه بسهولة و يمضي في طريقه و يتخطى أي عقبات قد تواجه  ، فالثقة هي الضوء الداخلي الذي ينبعث منك و إن ساد الظلام ، و هي المحرك و الدافع لك في كل تصرفاتك ، و الأنسان الواثق من نفسه غالبا ما يكون مؤثرا ً في من حوله من الناس ، و مثال حي على النجاح و الإرادة و التميز ، كما أن الثقة بالنفس هي السبيل للتوازن الأنفعالي الذي يجعل منك إنسانا ً هادئ التفكير ، غير مندفع في حكمك على الأمور ، و الأنسان
 يرى الحياة من خلال نفسه فعندما تشعر بقيمة نفسك فسوف تشعر بقيمة الحياة و سوف تكون حقا ًنموذجا جيدا ً للأنسان الايجابي ، و مثال رائع للنجاح .
أفكار عملية للثقة بالنفس
و هذه بعض الطرق العملية التي من شئنها تدعيم ثقتك بنفسك : -
 
حدود الثقة بالنفس 
  1.   أعرف نفسك جيدا ، و أعرف مميزاتك و عيوبك ، و اعلم جيد ان كل شخص له مميزات و عيوب و ان كل انسان يختلف عن الاخر . 
2.   زود دائرة معرفتك عن طريق القراءة و الاطلاع و التأمل فان ذلك من شأنه ان يجعلك مميزا بين ذوييك و يدعم ثقتك بنفسك . 
3.   تحمل المسؤلية و اثبت لنفسك دائما انك قادر على تحملها ، واجه ما تخشى مواجهته ، تعلم من الفشل و اعلم انه امر منطقي و انما الفشل الحقيقي هو ان تكف عن المحاولة 
4.   تمسك بالموقف الذي تراه صحيحا و ثق بمعتقداتك و لا تقدم تنازلات كثيرة في هذا الشأن فالتنازل من الامور الانهزامية التي تضعف الثقة بالنفس . 
5.   اختر لنفسك قدوة صالحة و لا اصلح قدوة من النبي الكريم صلوات الله و سلامه عليه 
6.   لا تخشى الإختلاط بالناس و لا تظن أن احدا منهم أعلى منك أو أدنى ، فالناس متساوون كأسنان المشط لا فضل لأحد إلا بالتقوى و لا يعلمها إلا الله . 
7.   أمسح كلمة لا استطيع من قاموسك و أمسح كل أفكارك السلبية و اعلم أن الحياة سوف تتغير حقا عندما تتغير نظرتك إليها .

إن الثقة السوية بالنفس هي ثقة بقدرات و ملكات منحها الله لك ، و الثقة المجردة في النفس هي ثقة سطحية و ساذجة كبناء خال ٍ من الأعمدة سرعان ما تنهار أمام العقبات و يكتشف ذلك الإنسان أنه ضعيف جدا بالنظر إلي
قدرة الله تعالى و أن ما لديه من اعتقاد كان مجرد وهم ، و إني لا اعتقد كثيرا ًبأن الثقة السوية بالنفس القائمة على الثقة بالله لها حدود ، حيث أن الثقة التي تأتي عن إيمان و معرفة صحيحة بالله لا يمكن أن تكون غرورا ًلأن المغرور لديه نقص في المعرفة و في الأيمان ، لأنه الغرور نقيض الإيمان و هو يعكس قصور في معرفة الإنسان لحقيقته و حقيقة دوره في هذه الحياة ، و إنما الغرور و التكبر يمكن أن يكون نتيجة للثقة الموهومة التي لا يدعمها الإيمان ، و دائما ما يكون هناك خيطا رفيعا بين هذه الثقة و ذلك الغرور. 

الثقة بالناس
 
هل ندمت يوما إنك منحت أحدا ثقتك ... و شعرت إنه لا يستحق هذه الثقة ... هل ائتمنت يوما شخصا لم يكن محلا لهذا الائتمان ... هل أودعت أفكارك و أسرارك شخصا و غدر بك ...هل ترى أن لا احد يستحق أن تمنحه ثقتك ؟
دوما ما تؤكد لك التجارب و المواقف هذا على مر الأيام ... و دوما يا ييأس البعض منح الثقة و تعدو فكرة أن لا احد يستحق الثقة منهاجا لحياته ... لكن هل فعلا بإمكاننا أن نحيا حياة طيبة دون أن نمنح الثقة لأحد ...
إذا كنت تعتقد ذلك فانا لا أوافقك في هذا الاعتقاد ... فالثقة هي الأساس الذي ينبني عليه التعامل مع الأصدقاء و
الزملاء وهي الأساس الذي يكون مثل تلك العلاقات ... فبدون هذه الثقة ستعدو حياتنا مليئة بالخوف و القلق و سيملئ الشك قلوبنا تجاه الآخرين... هذا إلي جانب إننا سنشعر بالوحدة ، و لست اقصد هنا الوحدة الفعلية ، فقد يكون للشخص علاقات مع أشخاص آخرين و يكون طوال الوقت معهم و مع ذلك قد يشعر بالوحدة ، عندما تكثر لديه مشاكله و همومه و لا يجد أحدا يتكلم معه ، لأنه ظن أن لا احد يستحق أن يمنحه هذه الثقة ، فيعيش وحيدا وسط مشاغله و همومه ، و أنا لا اعتقد أن الإنسان يستطيع أن يعيش حياته وحيدا في اغلب الأوقات حياة طبيعية حتى أن سيدنا آدم عليه السلام طلب من
 الله سبحانه و تعالى أن يرزقه بمن يؤانس وحدته .
و الثقة بالناس تعني الآمان و الائتمان المتبادل بكل معانيه و يجب أن نشير هنا إن الأمانة كانت إحدى الصفتين الآتي عرف بهما رسولنا الكريم صلوات الله و سلامه عليه فكان العرب في عصره يعرفونه بالصادق الأمين حتى ألد أعدائه لم ينكروا عليه هذه الصفة فكانوا يستودعونه أماناتهم و حتى وقت أن يحدث نزاعا بينه و بينهم ما كان أبدا ليخون هذه الثقة و كذلك كان رسوله الله صلى الله عليه و سلم يثق في أصحابه و يأتمنهم . 

الثقة بالناس ... أسرار و حدود 

و لكن هل يجب ان تمنح الناس هذه الثقة بلا حدود أو قيود ؟
إذا وافقني فيما وصلت إليه من رأي ستجد أمامك هذه التساؤل يثور دوما ، هل امنح الثقة لكل الناس ، و هل امنح كل الثقة لمن امنحه إياها ، أم امنحه بعضا ً منها فقط ؟
إن القيد الأول على الثقة التي ينبغي علينا أن نمنحها للأشخاص الذين نتعامل معهم هو هؤلاء الأشخاص أنفسهم ،
فالناس يختلفون في الصفات و الطباع فمنهم من يستحق أن تمنحه الثقة و منهم من لا يستحق ؛ و الذي يستحق هذه الثقة هو الإنسان الصادق الأمين و لعل هذه كانت أهم صفات رسولنا الكريم ، ولا يستحق هذه الثقة الإنسان المنافق و الذي بينه لنا النبي صلى الله عليه و سلم و بين انه هو الشخص الذي إذا حدثك كذب عليك و هو الذي إذا ائتمنته خان الأمانة و إذا وعدك وعدا اخلفه، و كثيرا ما ستلتقي به في مجتمعنا هذا ، لكن لا يجب عليك أن تنكر وجود الصالحين الذين إذا وثقت بهم كانت ثقتك في محلها و مستودعها ، و إذا جعلت نظرتك للأشخاص الذين تتعامل معهم نظرة موضوعية تتمثل
 في الحكم على الشخص نفسه دون أي اعتبار آخر أو محاباة فأنك تكون قد تجنبت خطا يقع فيه الكثيرون ، فالثقة لا يجب أن نمنحها لكل صديق بل نمنحها لشخص صادق أمين ، فالصديق قد ينقلب عدوا لك و إذا وجدته في خصامه خائنا لثقتك فاعلم انه منافق، فالمنافق أيضا هو الذي إذا خاصم فجر، لكن الصادق الأمين حتى إذا أصبح عدوا لك فأنه لن يخون ثقتك فيه .
أما القيد الثاني هو قيد يتمثل في موضوع هذه الثقة و موضوع هذه الثقة يجب ألا يكون فضحا ً لما ستره الله ، و لا أن يكون من الأسرار الخاصة جدا التي قد تخص أسرتك أو عائلتك أو تمس أشخاصا آخرين فهذه ليست من تداعيات الثقة السوية بالناس ، كما أن هناك أشياء عنك لا ينبغي للآخرين معرفتها فقد تضرك يوما ما و خصوصا إذا انقلب صديقك عدو لك ، و أذكر هنا قول الشاعر الذي يقول فيه :
احذر عدوك مرةً واحذر صديقك ألف مرة……. فربما انقلب الصد يق فكان أعلم بالمضرة
 
فالثقة بالناس مهما كانت يجب أن يكون لها حدود ، خطوط حمراء لا ينبغي علينا تجاوزها ، و لعل من أفضل ما قرأته عن هذا حكاية القنافد الثلاثة و القنفد حيوان بري تغطي الأشواك جسمه ..و موجزها أن ثلاثة قنافذ كانوا يعيشون في مكان بارد و ذات يوم اشتد عليهم البرد ، فاقتربوا من بعضهم البعض أكثر حتى يستشعروا الدفء و ظلوا يقتربون أكثر فأكثر و كلما اقتربوا شعورا بدفء اكثر حتى تلامست أجسامهم فتضرر كل واحد منهم من الشوك الذي يملأ جسم الآخر ، و أخيرا قرروا أن يكون كل منهم على مسافة من الآخر تشعره بالدفء دون أن يمسه أو يتضرر من الشوك الذي يغطي جسمه ؛ هذه
 المسافة هي حدود الثقة التي أردت أن أحدثكم عنها .
و طالما كان للثقة بالناس حدود فأن تجاوز هذه الحدود قد يسبب من الأضرار لصاحبه أكثر ما تسببه هذه الثقة له من نفع .
و لكن إذا اعتبرنا الثقة تتمثل في ائتمان الأشخاص على أسرارنا فإننا نأخذ بذلك بالمفهوم الضيق للثقة ليس إلا ، حيث أن الثقة أوسع من ذلك بكثير و تتسع لتشمل جميع المجالات و العلاقات الإنسانية .
فالثقة هي مفتاح قلوب الناس و سبيل من سبل الراحة و الاطمئنان للتعامل مع الناس وودهم و تقوية علاقاتك بهم لكن إذا أسئت استعمالها فلن تجني من ثمارها غير الطالح .
 
كيف تكسب ثقة الناس بك ؟
 
 كن صادقا ً و أمينا ً
و هم الصفتان اللتان عرف بهما النبي الكريم صلوات الله و سلامه عليه ، فالكذب اقوى الاشياء التي تهدم ثقة الناس بك و الخيانة نقيض الثقة تماما ً .
 
كن متواضعا ً و سهلا
و اذكر هنا قول الله تعالى لنبيه الكريم "  وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " و في ذلك معنى ان الشخص السهل اللين هو الذي يألفه الناس و يثقون به ، كما أن تواضعك يهدم دائما الحواجز التي بينك و بين الناس فيجعلهم يشعرون بالراحة و الآمان في صحبتك .
 
كن بشوشا ً مبتسما ً
فالابتسامة هي السبيل لنيل قلوب الناس و الحديث لا ينتهي عن تأثير الابتسامة و البعض يطلق عليها السحر الحلال نظرا لما لها من تأثير على قلوب و عقول الآخرين ، و لا تنسى ان ابتسامتك في وجه أخيك صدقة .
 
كن بسيطا ً
الناس يألفون دوما كل ما هو بسيط و مفهوم ، فإن كنت كثير التفكير ، أو لك في تفكيرك اسلوب معين ، فحاول أن تبسط  ذلك الأسلوب للآخرين ، لان شعورهم بالغموض أو عدم الفهم سوف يأثر على ثقتهم بك .
 
كن مستمعا ً جيدا ً
إستمع أكثر مما تتكلم ، و حاول ان تحدث كل انسان في ما يهمه و ليس ما يهمك انت ، تجنب المقاطعة ، و الحديث الكثير عن نفسك ، فإن من شأن ذلك أن يضعف ثقة الناس بك ، و لا تحتكر الحديث و اترك للباقين فرصة للحديث ، و تذكر ان الله قد خلق لك أذنين لتسمع بهما ، و فم واحد لتتكلم منه .
 
كن هادئا ً و احترم ذاتك
من يحترم نفسه يحترمه الآخرون و الشخص الهادئ العاقل أكثر مصداقية للناس من الشخص المهرج ، الذي لأ يأخذ الامور الجدية مأخذ الجد ، و لا يلقي بالا ً للكثير من الأمور التي تستحق الأهتمام .
الخاتمة
حسن الختام تذكرة برب الأنام ، خلق الإنسان و خلق له مجالا من الأمان ليعيش فيه وسط قرناءه من الناس ، و ينعم بالسلام ، و لذا كان لزاما على كل إنسان أن يثق فيه ثقة لا حدود لها و يثق في ذاته التي خلقها له ، و يثق فيمن حوله من الناس الذين يستحقون هذه الثقة .

ليست هناك تعليقات: