الجميع معرض إلى ما لا تشتهيه الأنفس في ظل تغييب القوانين الرادعة في الكثير من الأصقاع المشرقية , وهي القوانين التي تضع الأمور في نصابها الصحيح , وانعدام عدالة القوانين الهادفة إلى إصلاح المذنب لا الاقتصاص منه لمجرد القصاص . لذلك, ينبغي أن تكون للقانون سلطة على البشر لا أن تكون للبشر سلطة على القانون " .
لا غنى عن الرادع العقابي , لكن ما هو إلا قليل أمام الرادع التربوي العقلاني وكلاهما مختلف أمره. من تردعه عين المراقب فإنه "سيشاغب" بغياب المراقب , وبالتالي لا يُعقل أن يتم تعيين مراقب على كل فرد , ومن يردعه حسن التربية والمنشأ فإنه لن يرتكب ما يستدعي العقاب وإن خلا المكان من المعاقِبين .
لعل مثالاً صغيراً ,للخصر لا للحصر , فيه عبرة : فقد قيل ,على ذمة ما قرأت, أن شرطة السير في اليابان تعاني كساداً في العمل وتحرير المخالفات لأن السائق هناك لا يخشى شرطي السير , لكنه يحترم قوانين السير .
في مقابل ذلك , يخشي المرء أن تصل به الأمور إلى الإيمان بأن ما يميز "العربي" هو مخالفته للقوانين , وردّه الصاع صاعين في حال خلاف بسيط . فلم يبثّ أولو الأمر فيه معنى التسامح , ومعنى القول سلاما ً إذا خاطبه الجاهل .
لنا أن نتخيل طفلاً نما وتربى على أساس كهذا , فإن نزعة غير حميدة تنمو معه كما لو أنها توأمه, وسيمارسها , وتكبر معه أنانيته ليظن إبان فتوّته أن الشارع يصبح مُلكه , وأن العامّ يصبح خاصّه, وأنه الوحيد ومن بعده الطوفان.
إننا في حاجة إلى "إعادة بناء" مجتمعية تعتمد على استخلاص العبر من التشرذم الحاصل بين العرب نتيجة لتغييب العقلانية .
إن التربية السليمة للطفل في صغره,تعينه في كبره, ولو كانت جذورها مرة .
يجب أن يسود القانون حتى يحتفظ بالعقول داخل البشر , وأن لا يتم السماح باختراقه حتى لو كان لصالح امرىء من الناس. فمَن خرق القانون لمنفعتي , قد يخرقه غداً لمضرتي وخراب بيتي.