31 ديسمبر 2010

لا تخدعنك المظاهر


 

في كتابه ( أعط الصباح فرصة ) يحكي الأستاذ عبدالوهاب مطاوع ـ رحمه الله ـ قصة
طريفة كان شاهدا على أحداثها ، وخبرها أن أحد أصدقاءه ذهب لإجراء جراحة مؤلمة ،
 وكان الأستاذ مطاوع حاضرا معه ، وكانت تلك الجراحة ـ في ذاك الوقت ـ تصيب
المرء بآلام فظيعة ، يصرخ منها أشد الرجال قوة واحتمالا كالأطفال الصغار ، فقام
الصديق بإجراء الجراحة وتبعه مريض آخر لديه نفس الداء ،

يقول الأستاذ مطاوع ( وكان مع المريض الآخر أخاه ، فما أن استيقظ هذا المريض
واستعاد الشعور إلا وداهمته الآلام المبرحة ، فأخذ يصرخ بشدة طالبا النجدة ،
فانزعج الأخ بشدة وذهب إلى الطبيب فطمئنه إلى أن هذه الأعراض طبيعية ،

وسيظل هكذا حتى الليل وسيأتي لإعطائه حقنة مروفين ، فذهب الأخ لطمأنة أخاه فوجد
صراخه قد على واشتد ، فعاد أدراجه إلى الطبيب يستجديه أن هناك خلل ما في
العملية ،  ولم يتركه إلا وقد أحضره معه ، فقام بتوقيع الكشف عليه وأخبره ثانية
إلى أن هذه الأعراض طبيعية وسيصرخ هكذا حتى حلول المساء ! .

وذهب الطبيب ولم يتوقف صراخ وتوسل الأخ المريض ، وعندما بلغت الحيرة مداها عند
الأخ المرافق ، تذكر صديقي ، فحدثته نفسه أن يذهب إليه في الغرفة المجاورة ليرى
هل يتألم مثل أخاه فيطمئن إلى أن هذا الألم طبيعي ، أم أن هناك مشكلة يحاول
الطبيب إخفائها ! .

وجاء إلى صديقي المريض ولم أكن وقتها في الغرفة ، فاستأذن فوجد صديقي يرقد
ساكنا ويطالعه بهدوء ، فسلم عليه فرد عليه السلام ،

وقال له : كيف حالك يا أستاذ فلان ؟
فأجابه صديقي في هدوء : الحمد لله ! .
فقال له ، كأنما يتأكد من مخاوفه : هل أنت بخير ؟
فأجابه صديقي في وقار : نعم والحمد لله ! .
فعاد يسأله من باب المجاملة والتعاطف ، خاصة وقد وجده وحيدا في غرفته : هل تريد
شيئا قبل أن أنصرف

فأجابه صديقي بنفس الوقار والهدوء : نعم .. أريد أن أموت !
فلم يستطع الرجل من أن يمنع نفسه من الانفجار في هستريا من الضحك ،
وقال لصديقي : يبقى خير ! . ثم ربت على رأسه مشجعا ، وهو في قمة الابتهاج بعدما
تبددت مخاوفه .

وفي الممر التقينا وروى لي ما حدث وضحكنا معا ، وسألني أين كنت فرويت له أنني
كنت في مكتب الطبيب المقيم للمرة العاشرة منذ الصباح أرجوه أن

يأتي معي ليطمئن صديقي إلى أن كل شيء على ما يرام ،
بعد أن ظل يصرخ بلا توقف ويستغيث بلا انقطاع ، فإذا كنت قد وجدته حين زرته
ساكنا لا يصرخ فليس معناه أنه لا يتألم ، بل يتألم إلى حد العجز عن

الصراخ والعويل ، وما هي إلا لحظات ويعاود الصراخ مرة أخرى ! .)
وفي هذا الموقف درس غاية في الأهمية وهو ألا ننخدع بالمظاهر ، فُرب ضاحك والألم
يعتصر كبده اعتصارا ، وآخر هادئ الجنان لكن السعادة والحبور

تحمله على جناحيها وتطير به في عوالمها .
وكم انخدعنا في أشخاص كنا نظن أنهم سعداء منبهرين بابتسامة مرسومة على شفاههم ،
وأناقة بادية عليهم ..

لكننا عندما سبرنا أغوارهم وجلسنا واستمعنا إليهم وجدنا حياتهم أتعس بكثير مما
نظن ، وأنهم مساكين حقا

فلا يخدعنك  ضحكة ضاحك ، ولا مظاهر كاذبة .
وعش في الحياة ناظرا دائما للجوهر لا للمظهر .
ولا تحكم على أحد قبل أن تسبر أغواره جيدا . 


قال فولتير :
 لا تنخدع بضحكهم فإنهم لا يضحون ابتهاجا وإنما .. تفاديا للانتحار !  

______________________
من كتاب " أفكار صغيرة لحياة كبيرة "
كريم الشاذلي

ليست هناك تعليقات: