(( يا أبا يزيد ..لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك ، ولأوسع لك إلى جنبه ، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين )) اللهم إنها منقبة عظيمة . وشهادة خرجت من فيّ صحابي جليل هو ابن مسعود رضي الله عنهما لأحد اتباعه النجباء الأبرار حيث رأى منه ما دعاه إلى إصدار هذه الشهادة الفخرية في حقه .. وابن مسعود رضي الله عنهما صاحب محمداً صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وعشرين سنة هي عصر النبوّة كاملاً .. ويعرف ما يحب صلى الله عليه وسلم في الرجال ومن يحب من الرجال فأقوال وأفعال وأخلاق هذا الرجل يحبها محمد صلى الله عليه وسلم .
فيا ترى من هو أبو يزيد ، هذا ، وما هي أقواله وأفعاله التي لورأها محمد صلى الله عليه وسلم لأحبه وأحبها أما الشق الأول من السؤال فسنرجي إجابته لآخر المقال وأما الشق الآخر فنشرع فيه لأنه هو الأهم .
فنبدأ بأقواله البهيّة الزكية التي حين نسمعها نتذكر كلام أبي داود رحمه الله صاحب السنن حين قال: ( خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن ) . فمنها ما يلي :
1/ أما بعد : فأعدّ زادك وخذ في جهازك وكن وصي ّ نفسك .
2/ كل ما لا يبتغى به وجه الله عز وجل يضمحل .
3/ السرائر السرائر اللاتي يخفين من الناس وهنّ لله بواد ، التمسوا دواءهن ، وما دواءهن إلا أن تتوب فلا تعود ..
4/ الداء الذنوب ، والدواء الاستغفار ، والشفاء أن تتوب فلا تعود .
5/ إذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك ، وإذا هممت فاذكر علمه بك ، وإذا نظرت فاذكر نظره إليك وإذا تفكرت فاذكر إطلاعه عليك ، فإنه يقول : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) الإسراء أية 36.
6/ قيل له حين مرض بالفالج ( الشلل) : لو تداويت ، قال : ذكرت عاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيرا ،كانت فيهم أو جاع وكانت لهم أطباء ، فما بقي المداوي ولا المداوى إلا وقد فني . .
7/ قيل له : لو جالستنا . فقال : لو فارق قلبي ذكر الموت ساعة فسد عليّ .
8/ قالت له ابنته : يا أبتاه ألا تنام ؟ فقال يابنيه كيف ينام من يخاف البيات ، إن جهنم لا تدعني أنام .
( والبيات : أخذ العدو بغتة في الليل ). ويقصد: (أنه يخاف الموت أن يهجم عليه ).
سهرت أعين ونامت عيون في أمور تكون أو لا تكون
فادرأ الهم ّ ما استطعت عن النفس فحملانك الهموم جنون
إن رباً كفاك ما كان بالأمس سيكفيك في غد ما يكون
9/ إذا قيل له كيف أصبحت يا أبا يزيد ؟ قال : أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا .
10/ وإذا أصبح قال : مرحباً بملائكة الله ، اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم ، سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر .
وأما أفعال أبي يزيد رحمه الله .. فعديدة لا تعدّ.. تراه أصاب في كل عبادة بسهم . وكل خلق بحظ .. وترى باطنها أكثر من ظاهرها وسرها أكثر من علانيتها، كأن قول عبد القادر الجيلاني يرحمه الله ينطبق عليه : ( كن صحيحاً في السر تكن فصيحاً في العلانية ) وترى الصدق فيها قد تغلغل حتى بلغ العظم.
والصدق.. شئ لا يقوم به أمرؤٌ إلا وحشو فؤاده الإيمان
ومن هذه الأعمال ما يلي :
1/ ما رئي متطوعاً في مسجد قومه قط إلا مرة واحدة.
2/ وسرق له فرس أعطي به عشرون ألفاً فقالوا له : ادع الله على السارق ، فقال : اللهم إن كان غنياً فاغفر له ، وإن كان فقيراً فأغنه .
غنيٌّ بلا مال عن الناس كلهم وليس الغنى إلا عن الشيء لابه
3/ وأصابه أحدهم بحجر في رأسه فشجّه ، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفرله فانه لم يتعمدني.
4/ وإذا كان الليل ووجد غفلة الناس خرج إلى المقابر فيقول : يا أهل المقابر كنا وكنتم فإذا أصبح كأنه نشر من قبر .
5/ كان بعض أصحابه يعلّمون شعره بعلامة عند المساء وكان ذا وفرة ثم يصبح والعلامة كما هي فيعرفون أنه لم يضع جنبه ليله على الفراش.
6/ كانت أمه تنادي فتقول : يابني ألا تنام . فيقول : يا أماه من جنّ عليه الليل وهو يخاف البيات حُقّ له أن لا ينام : فلما رأت ما بلغ من البكاء والسهر نادته فقالت : يابني لعلك قتلت قتيلاً ؟ فقال : نعم يا والدة . فقالت : ومن هو القتيل فنحمل على أهله فيعفونك ، والله لو علموا ما تلقى من البكاء والسهر لقد رحموك فيقول : يا والدتي هي نفسي.
7/ وقام ليلة يصلي فمر بهذه الآية: {أم حسب الذين اجترحوا السئيات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون }(الجاثية آية 21) فمكث ليله حتى أصبح ما يجوز هذه الآية إلى غيرها ببكاء شديد .
8/ كان إذا سجد كأنه ثوب مطروح فتجئ العصافير فتقع عليه .
9/ قال أحدهم صاحبه سنين عدداً : ما سألني عن شئ مما فيه الناس إلا أنه قال لي مرة : أمك حية ؟ كم لكم مسجد ؟.
10/ قالت سرّية له : كان عمله كله سراً إنه كان ليجئ الرجل وقد نشر المصحف أي : ( فتحه للقراءة ) فيغطيه بثوبه .
11/ وكان يقاد إلى الصلاة يهادى بين رجلين وبه الفالج ( الشلل) فيقال له : قد رخّص لك لو صليت في بيتك . فيقول : إنه كما تقولون ولكني سمعته ينادي ( حي على الصلاة حي على الفلاح ) فمن سمع منكم فليجبه ولو حبواً ..
12/ قال الأعمش : مرَّ أبو يزيد في الحدادين فنظر إلى كير الحداد فصعق ( كأنه تذكر جهنم ) قال الأعمش: فمررت بالحدادين لأتشبه به فلم يكن عندي خير ...
13/ كان أبو يزيد وسيماً ممتلئاً شباباً ذا وفرة .. فأراد بعض الفسقة إغواءه فأعطوا امرأة ذات جمال بارع ألف درهم لعلها تتعرض له وتفتنه .. فلبست أحسن الثياب ، وتطيبت بأطيب الطيب ، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده ، فنظر إليها فراعه أمرها ، فأقبلت عليه وهي سافرة ، فقال لها ، كيف بك لو قد نزلت الحمّى بجسمك فغيّرت ما أرى من لونك وبهجتك ؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين ؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير ؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشياً عليها .. وو الله لقد أفاقت ثم تابت وبلغت من عبادة ربها أن كان يوم ماتت كأنها جذع محترق من خشية الله ..
هذه بعض أقوال وأفعال( أبو يزيد) .أشرنا لها إشارة وفيها الكثير من الدروس والعبر لو كتب بعضها لطالت العبارة .إذ كيف توفي رجلاً - كأبي يزيد- يعمل بقلبه أكثر من جوارحه ، ويعمل في سره أكثر من علانيته كيف توفيه حقه ؟؟.... وما كتبنا إلا ما ظهر وما خفي كان أعظم .
والناس شهود الله في أرضه ... فتعالوا نختم ببعض ما قيل عنه :
1/ قال الشعبي : حدثنا أبو يزيد وكان من معادن الصدق وكان أورع أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما .
2/ قال عنه أحد أصحابه : صحبته عشرين عاماً ما سمعت منه كلمت تعاب وما تكلم إلا بكلمة تصعد.
3/ قال عنه الذهبي : قليل الرواية إلا أنه كبير الشأن وكان يعد من عقلاء الرجال.
وبعد هذا وذاك ... نتذكر قول الله عز وجل :{وبشر المخبتين ، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون }( الحج آية 34،35 ) ووالله أن حاله ينطبق على حالة المخبتين المذكورة في الآيات .وصدق أبن مسعود رضي الله عنهما حين قال : وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين .
وبعد ....
فاسألن نفسك أخي وأنت أعرف بحالك .. هل لو رآك محمد صلى الله عليه وسلم بهذه الحال أحبك ؟؟ إن كان كذلك فاحمد الله وازدد. وإن كان غير ذلك ..فاسألن نفسك ثانية.. يانفس ألا تودين أن تحظين بمحبة حبيب الله وخليل الله ونبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن المرء يحشر مع من أحب ؟؟؟ وأسألها ثالثة ورابعة وألفاً .. ألا تخافين البيات ؟؟؟؟
فوالله إن أحدنا ليود محبته صلى الله عليه وسلم ويرجوها بنفسه والنفيس والطارف والتليد والزوجة والوليد .
يا رب صل على النبي وآله عدد الخلائق حصرها لا يحسب
رحم الله أبا يزيد الربيع بن خثيم الثوري المتوفي قبل سنة 65هـ
وجعل لنا فيه وفي مثله قدوة وأسوة .. ( آمين ).
إعداد/ بدوي الزهراني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق